على بُعد أقل من أسبوعين من انتهاء صلاحية اتفاقية عبور الغاز بين روسيا وأوكرانيا، تستعد سوق الغاز الطبيعي في أوروبا لاضطراب التداول بعد بداية العام الجديد. وبدلاً من الاحتفال يوم 31 ديسمبر، سيحدّث المتعاملون شاشاتهم لتفقد عناوين الأخبار وبيانات شبكات التوزيع بحثاً عن إشارات على التوصل إلى حل في اللحظات الأخيرة، إذا كان هناك حل في الأساس.
تتهيأ البنوك الكبرى والمفوضية الأوروبية لتوقف نقل الإمدادات عبر أوكرانيا في الأول من يناير، ما سيجبر القارة على اللجوء إلى مصادر أخرى لتعويضها، ويؤدي إلى ارتفاع الأسعار على الأرجح.
توفر روسيا 15% من واردات أوروبا من الغاز، ورغم أن ثلث هذه الكمية فقط ينقل عبر أوكرانيا، ما يزال المتعاملون في حالة تأهب.
أعلنت موسكو وكييف هذا الأسبوع عدم تجديد الاتفاق الجاري، إذ ترفض أوكرانيا نقل الغاز الروسي عبر خطوط الأنابيب على أراضيها. إلا أن عدداً من حكومات دول وسط أوروبا التي ما تزال تعول على الوقود في أمس الحاجة للتوصل إلى حل. وأدت مفاوضات الفرصة الأخيرة إلى تقلب في أسواق الغاز، حيث تذبذبت الأسعار بشكل متكرر الخميس، بينما يحاول المتعاملون توقع تبعات بيانات القادة الأوروبيين.
قال فرانسيسكو بلانش، المحلل الاستراتيجي للسلع الأولية في “بنك أوف أميركا“، إن “كل الأطراف المعنية ما تزال تحاول التوصل إلى طريقة لنقل هذا الغاز، وسيواصلون العمل حتى منتصف ليل 31 ديسمبر. ما يزال الخطر وشيكاً ولا أحد يعرف ما سيحدث”.
السيناريو الأول: عدم التوصل إلى اتفاق
تستعد المفوضية الأوروبية لتوقف الإمدادات، الذي تعده بنوك من بينها “غولدمان ساكس” و”مورغان ستانلي” و”جيه به مورغان” و”إتش إس بي سي” التوقع الأساسي. وستؤثر الإمدادات المفقودة على دول مثل سلوفاكيا التي بذلت جهوداً للتوصل إلى اتفاق خلال الأسابيع الماضية، وحذرت من أضرار مالية محتملة.
تُنقل بعض التدفقات إلى النمسا وجمهورية التشيك وإيطاليا، والمؤكد أن البحث عن مصدر لإمدادات جديدة سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار بالمنطقة في المدى القصير.
أشارت كاتيا يافيمافا، كبيرة الباحثين في معهد أكسفورد لدراسات الطاقة، في تقرير إلى أن “رغم أن حجم هذه الإمدادات ضئيل بالنسبة لأوروبا ككل، فالمؤكد أنه بالغ الأهمية لعدد من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي”.
مع ذلك، كشف تقييم حديث أجرته ذراع الاتحاد الأوروبي التنفيذية أنه يُفترض أن يكون الأثر الكلي “طفيفاً”، إذ يوجد لدى التكتل مصادر أخرى للإمدادات. وأن التدفقات البالغة 15 مليار متر مكعب التي تنقلها روسيا عبر أوكرانيا سنوياً تشكل أقل من 5% من إجمالي احتياجات أوروبا. وبإمكان روسيا زيادة بعض الإمدادات التي تصدرها عبر وسائل أخرى، مثل ناقلات الغاز المسال وخطوط الأنابيب، إلى تركيا، رغم أن الطاقة الإنتاجية الفائضة محدودة.
وقالت فلورنس شميدت، المحللة الاستراتيجية للطاقة الأوروبية لدى “رابو بنك” (Rabobank)، إن “ارتفاع السعر سيكون كبيراً لبضعة أيام من العام الجديد، قبل أن تتأقلم السوق مع الأوضاع العادية الجديدة وتستقر الأسعار مرة أخرى”.
السيناريو الثاني: اتفاق متأخر
تعقد آمال أخرى على احتمال التوصل إلى اتفاق، وإن لم يكن بحلول الأول من يناير، ويُحتمل أن يوفر إمدادات أقل حجماً.
لكن المفاوضات متعثرة، إذ تُصر أوكرانيا على رفض نقل الغاز الروسي عبر خطوط الأنابيب على أراضيها، إذ أعلن الرئيس فولوديمير زيلينسكي هذا الأسبوع أنه أيضاً لن يدعم الحلول البديلة التي تستمر في توفير التمويل للحرب التي تشنها روسيا. وقد يضر ذلك بالمفاوضات حول صفقات مبادلة تضم دولاً ثالثةً، مثل أذربيجان.
وقال زيلينسكي إنه إذا كانت هناك دولة “مستعدة لتنقل لنا الغاز، على ألا تسدد التكلفة إلى روسيا حتى نهاية الحرب، عندها ستوجد فرصة محتملة، قد ندرس الأمر”.
لفت مارك سالفرانك، مدير التداول التجاري في أوروبا القارية لدى شركة المرافق السويسرية “أكسبو سوليوشنز” (Axpo Solutions)، إلى أنه “بالطبع المفاوضات في غاية التعقيد، إذ يجب التوفيق بين كثير من الجوانب السياسية وعديد من المصالح المختلفة، لذلك فإن توقع ما سيحدث في الأول من يناير يُعد بالغ الصعوبة”.
كذلك يتوقع عدد من المتعاملين تزايد فرص التوصل إلى اتفاق بعد تنصيب الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب في 20 يناير، الذي أكد طوال حملته الانتخابية اعتزامه إعطاء الأولوية لبدء محادثات السلام بين أوكرانيا وروسيا. تعتبر الولايات المتحدة أحد أكبر موردي الغاز لأوروبا، ولها طموحاتها في المنطقة.
السيناريو الثالث: اتفاق بحلول نهاية ديسمبر
سيشكل التوصل إلى اتفاق عاجل مفاجأة لمعظم المتعاملين في السوق الذين شهدوا المفاوضات تستمر شهوراً وتؤدي إلى موجة بيع كثيف مؤقتة على الأقل. ورفع المضاربون رهاناتهم المتفائلة إلى مستوى قياسي قبل خفضها مرة أخرى، ما يهيئ الفرصة لتحركات مفاجئة في الأسعار.
مع ذلك، تتوقع ماجي تشويتنغ لين، المحللة الاستراتيجية لبحوث الطاقة لدى “سيتي غروب” أن يمثل ذلك السيناريو الأساسي. فتشير مع سالفرانك من “أكسبو” إلى أن أي انخفاض في السعر حال التوصل إلى اتفاق سيكون لفترة وجيزة، حيث سيستمر تراجع الإمدادات في سوق الغاز العالمية، وسيظل على أوروبا منافسة المشترين العالميين الآخرين على شحنات الغاز المسال.
وقالت بلانش من “بنك أوف أميركا”: “في النهاية الأمر المؤكد الوحيد هو أن أوروبا تحتاج لمزيد من الغاز”.