يُرجّح أن تلجأ دول الخليج العربي إلى إصدار المزيد من الديون في العامين المقبلين، وسط ترجيحات ببقاء أسعار النفط عند مستويات منخفضة في 2025 و2026، لتظل المنطقة بين أكبر مصدري السندات الدولارية في الأسواق الناشئة، بعد الصين، وأكبر مصدر ومستثمر بالصكوك عالمياً، بحسب وكالة “فيتش”.
الإيرادات النفطية، التي ما زالت تشكل الرافد الأكبر لميزانيات الحكومات الخليجية، ستمثل محركاً رئيسياً لنشاط أسواق الدين في دول مجلس التعاون، في ظل توقعات بأن تسجل أسعار النفط 70 دولاراً و65 دولاراً للبريمل في 2025 و2026 على الترتيب، بسبب تواضع نمو الطلب ووفرة الطلب العالمي، وفقاً لتقرير صادر الثلاثاء عن وكالة التصنيف الائتماني.
بلغ سعر خام برنت خلال تعاملات اليوم الأربعاء 73.57 دولار للبرميل، بينما سجل خام غرب تكساس الوسيط الأميركي 70.47 دولار للبرميل.
دوافع إصدار دول الخليج للديون
نمت سوق الدين في الخليج 11%، على أساس سنوي، لتبلغ بنهاية نوفمبر تريليون دولار. وتشكل الصكوك الإسلامية 40% من تلك الديون.
التوقعات بميل دول الخليج لتعزيز إصدارات الدين، تأتي رغم تقدير “فيتش” في وقتٍ سابق من الشهر الجاري أن تتجاوز أسعار النفط العام المقبل المستوى اللازم لتحقيق التعادل في ميزانيات معظم دول الخليج، بخلاف السعودية والبحرين.
وخفضت الوكالة، في التقرير الجديد، توقعها لمتوسط سعر النفط في 2025 إلى 70 دولاراً للبرميل من تقدير سابق عند 80 دولاراً، لكنها أشارت إلى أن الإصلاح المالي والإنفاق الرأسمالي الكبير يعززان قدرة الدول الخليجية على استيعاب أسعار النفط المنخفضة.
دوافع نمو إصدارات الدين من الخليج مستقبلاً تتمثل في الحاجة لتوفير تمويل للمشاريع الحكومية، وحلول أجل استحقاقات الديون، وتسجيل عجز في الميزانيات، وتحقيق أهداف تنويع الاقتصاد بعيدا عن النفط، والإصلاحات للقواعد التنظيمية، بحسب ما قاله بشار الناطور الرئيس العالمي للتمويل الإسلامي لدى “فيتش”.
تشهد بالفعل الإصدارات بالمنطقة فورة نشاط. في السعودية، أكبر اقتصاد عربي، أصدرت حكومة المملكة وكياناتٍ سعودية، بما في ذلك صندوق الاستثمارات العامة، سندات ناهزت 50 مليار دولار منذ بداية العام، وفقاً لبيانات جمعتها “بلومبرغ”. ويشمل ذلك مبيعات السندات السيادية المقوّمة بالدولار واليورو وديون الشركات.
وفي الإمارات، ارتفع إصدار أدوات الدين 54% على أساس سنوي هذا العام، وهو الأعلى منذ التوسع في طلب التمويل إبان فترة كوفيد 19 في عام 2020.
تأثير خفض الفائدة الأميركية
ستتلقى بيئة التمويل أيضاً الدعم من الخفض المتوقع للفائدة من جانب البنك الاحتياطي الفيدرالي بواقع 125 نقطة أساس إلى 3.5% بحلول الربع الأخير من 2025 واستمرارها عند ذلك المستوى حتى نهاية 2026، والذي من المرجح أن تقتفي أثره معظم البنوك المركزية في الخليج. يعني خفض أسعار الفائدة الأميركية أن تكلفة الحصول على تمويل عبر السندات والصكوك الدولارية تقل، ما يحفز زيادة إصدارات أدوات الدين.
كما أن اعتماد هيئات الأسواق المالية بمجلس التعاون الخليجي الإطار التنظيمي للتسجيل البيني لصناديق الاستثمار بين الدول الأعضاء، في نوفمبر الماضي، قد يفتح الطريق أمام خيارات استثمارية جديدة بأسواق الدين في المنطقة.
إصدارات الدين لن تقتصر على الحكومات فحسب، بل ستشمل البنوك والشركات والتي من المرجح أن تطرق أسواق الدين لتنويع مصادر التمويل رغم أنها لن تكون المصدر الرئيسي. وتعتمد البنوك في المنطقة عادة على الودائع الحكومية الموُلدة من عوائد النفط.
تفاقم الصراع قد يحدُّ من الاستدانة
المشهد لا يخلو من مخاطر بالطبع، إذ ترى “فيتش” أنه في ظل حالة عدم اليقين التي تحيط بتطور الصراع في الشرق الأوسط، فإن تفاقمه قد يحدُّ من نمو سوق الدين في الخليج. بالإضافة إلى التعقيدات المرتبطة بمعايير هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية (أيوفي) والتي قد تؤثر على إصدارات الصكوك. يُذكر أن الديون المستندة إلى المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة بلغت 48 مليار دولار، فيما تشكل الصكوك 42% منها.
لكن تلك المخاطر قد يحدُّ من أثرها أن أربعة من بين ست دول بمجلس التعاون الخليجي مصنفة عند درجة جديرة بالاستثمار من جانب “فيتش” وجميعها تتمتع بنظرة مستقبلية “مستقرة”.