قلّصت مبيعات قوية لسندات الخزانة الأميركية لأجل 30 عاماً المخاوف من أن العجوزات المتفاقمة قد تدفع المستثمرين إلى العزوف عن شراء السندات، فيما صعدت السوق أيضاً مع تنامي التضخم الضعيف الذي غذّى الرهانات على أن مجلس الاحتياطي الفيدرالي قد يخفض أسعار الفائدة إذا تباطأ الاقتصاد. في المقابل، تراجع الدولار إلى أدنى مستوى له في ثلاث سنوات. وارتفعت مؤشرات الأسهم.
جاء مزاد يوم الخميس لسندات الدين طويلة الأجل بقيمة 22 مليار دولار بعائد بلغ 4.844%، أي أقل من العائد السائد قبيل موعد المزاد.
وصعد مؤشر “إس آند بي 500” للمرة الرابعة في خمسة أيام. وسجل سهم “أوراكل كورب” مستوى قياسياً بفضل توقعات قوية للمبيعات. كما أثرت موجة قلق جيوسياسي بشكل مؤقت على الأسهم، بعدما أفادت شبكة “إيه بي سي” بأن إسرائيل تدرس تنفيذ عمل عسكري ضد إيران. وقلص النفط معظم خسائره.
بيانات تضخم إيجابية
ظل التضخم في الولايات المتحدة ضعيفاً خلال مايو، في إشارة إلى أن الرسوم الجمركية لم تؤدِّ بعد إلى ارتفاع الأسعار بالنسبة للمستهلكين والشركات. فقد ارتفع مؤشر أسعار المنتجين بنسبة 0.1% مقارنة بالشهر السابق، في حين كان متوسط التوقعات في استطلاع “بلومبرغ” لآراء الاقتصاديين يشير إلى زيادة بنسبة 0.2%.
قال كريس زاكاريلي من “نورثلايت أسيت مانجمنت”: “لليوم الثاني على التوالي، جاءت بيانات التضخم أقل من المتوقع، وهذا يمنح الاحتياطي الفيدرالي مجالاً للتريث”.
وأضاف: “طالما أن التضخم لا يرتفع أو يتراجع، وهو أفضل، يمكن للفيدرالي التحلي بالصبر وانتظار مزيد من المعلومات حول كيفية تأثير الرسوم الجمركية الجديدة والمفاوضات التجارية على جانب استقرار الأسعار لاحقاً هذا العام، في ما يعد جزءاً من مهمته المزدوجة”.
ترمب يكرر انتقاداته للفيدرالي
مع ظهور مزيد من الأدلة على تباطؤ التضخم، كرر الرئيس دونالد ترمب انتقاداته بأن مجلس الاحتياطي الفيدرالي لم يتحرك بالسرعة الكافية لخفض أسعار الفائدة. وأكد ترمب كذلك أنه لا يعتزم إقالة رئيس المجلس جيروم باول، بعد أيام من تصريحه بأنه سيُعلن “قريباً” عن مرشحه المقبل لقيادة البنك المركزي.
وفي ما يتعلق بالتجارة، قال ترمب إنه قد يرفع الرسوم الأميركية على السيارات بهدف تعزيز صناعة السيارات المحلية، وهي خطوة من شأنها أن تزيد من حدة التوترات مع الشركاء التجاريين. وتراجعت أسهم “جنرال موتورز”، و”فورد موتور”، و”ستيلانتس إن في”.
من جهته، قال وزير الخزانة سكوت بيسنت إن هناك تقييمات متباينة لتأثير مشروع قانون خفض الضرائب على العجز. وأضاف أن توقعه الشخصي هو أن الاقتراض سيتراجع على مدى عشر سنوات.
قال ريك غاردنر من “آر جي إيه إنفستمنتس”: “رغم أن الأسهم استعادت عافيتها وتقترب من المستويات القياسية المسجلة في فبراير، قد يبدأ المستثمرون قريباً بالتساؤل: ما الذي سيدفع الأسهم إلى ما هو أبعد من هذه العتبة؟”.
وأضاف: “المحفز المقبل للأسواق قد يتمثل في اتفاق تجاري مع الصين، أو تمديد التخفيضات الضريبية لعام 2017، أو احتمال خفض الفيدرالي للفائدة مع استمرار تباطؤ التضخم”.
عوائد السندات قد تصبح أكثر جاذبية مقارنة بالأسهم
المتداولون الذين صمدوا خلال التقلبات العنيفة التي شهدتها الأسهم هذا العام بسبب الرسوم الجمركية، يواجهون اليوم معضلة. إذ قد تقدم السندات عوائد أكثر جاذبية في السنوات المقبلة، وفقاً لمؤشر يتتبعه كثيرون.
يُظهر مؤشر علاوة مخاطر الأسهم، الذي يستخدمه المستثمرون لتحديد الفرق بين العوائد المتوقعة على الأسهم وسندات الخزانة الأميركية، أنه يحوم حالياً حول أدنى مستوى له منذ 2002، بحسب بيانات “بلومبرغ إنتليجنس”.
ويشير استراتيجيّا “بلومبرغ إنتليجنس”، جينا مارتن آدامز ومايكل كاسبر، إلى أن هذا يعني أن الأسهم باتت أكثر كلفة مقارنة بالسندات، مما كانت عليه خلال معظم العقدين الماضيين.
رفع توقعات مؤشر “إس آند بي 500”
أصبحت “ند ديفيس ريسيرش” أحدث مؤسسة في وول ستريت ترفع توقعاتها لمؤشر “إس آند بي 500″، بعدما تعافت الأسهم الأميركية من الخسائر التي تكبدتها إثر رسوم “يوم التحرير” التي فرضها ترمب.
لكن المؤسسة أقرت بصعوبة وضع توقعات دقيقة للأسواق في ظل المشهد الكلي الراهن. فقد رفعت المؤسسة تقديرها لنهاية العام للمؤشر إلى 6,350 نقطة، مقارنة بـ5,550 نقطة سابقاً.
في الأثناء، تقول كاثي وود، مؤسِسة “آرك إنفستمنت مانجمنت”، إن الشركات الأميركية الكبرى بدأت تستعيد شهيتها للمخاطرة، مع تزايد التوقعات حيال مساعي ترمب لإلغاء القواعد التنظيمية وخفض الضرائب.
وخلال مشاركتها في بودكاست “ترمبونوميكس” عبر “بلومبرغ”، ضمن فعاليات مؤتمر “فاوندرز فوروم غلوبال” في أوكسفورد، قالت وود إن الشركات الكبرى في أميركا تكثف الإنفاق الرأسمالي استجابةً للسياسات الأكثر ملاءمة للأعمال. وأشارت إلى استثمار “ميتا بلاتفورمز” في شركة الذكاء الاصطناعي “سكيل إيه آي” كمؤشر على هذا التوجه.
التنفيذيون يبيعون الأسهم بأسرع وتيرة منذ نوفمبر
مع ذلك، تعود سوق الأسهم الأميركية إلى المسار الصحيح، وتقترب من أعلى مستوياتها على الإطلاق المسجلة في فبراير. ومع ذلك، يقوم كبار المدراء التنفيذيين ببيع الأسهم بأسرع وتيرة منذ نوفمبر.
ويُظهر مؤشر لمعنويات “المطلعين” الذي يرصد عدد المشترين مقابل البائعين، أن 200 شخص “مطلع” اشتروا أسهماً هذا الشهر حتى 11 يونيو، بينما باع 778 شخصاً. وبذلك تبلغ نسبة الشراء إلى البيع نحو 0.26، وهي الأدنى منذ نوفمبر عندما أطلق فوز ترمب في الانتخابات موجة صعود استمرت عدة أشهر.
*تعرف لجنة الأوراق المالية والبورصات الأميركية “المطلعين” على أنهم “الإدارة، أو المسؤولون التنفيذيون، أو أي مالك مستفيد يمتلك أكثر من 10% من فئة من الأوراق المالية للشركة”.