طفرة بلجوء مديري الأصول في “وول ستريت” لمتداولين خارجيين

بدأت شركة “جيفريز فاينانشيال غروب” (Jefferies Financial Group) تعيين أكثر من 10 متداولين للاستفادة من تحول هادئ في إدارة الأموال في “وول ستريت”: الاستعانة بمتداولين خارجيين في تنفيذ عمليات الشراء من جانب الأطراف المهتمين بالاستثمار.

عيّنت الشركة، ومقرها في نيويورك، بالفعل تسعة متداولين إضافيين لهذا الغرض، وتعتزم توظيف ثمانية آخرين. وتخطط “جيفريز”، مع وجود الموظفين الإضافيين، إلى التوسع في تقديم خدمة التداول بالتعهيد، أي الاستعانة بمتداولين خارجيين، لمنتجات الدخل الثابت، إضافة إلى قسم تداول الأسهم الموجود لديها منذ سنوات.

تُعد “جيفريز” ضمن مجموعة من شركات “وول ستريت” التي تنافس على الاستحواذ على حصة سوقية أكبر في عالم التداول بالتعهيد، إذ أدي قرار “يو بي إس غروب” المفاجئ بالتخارج من النشاط في وقت سابق من العام إلى زخم جديد في السوق.

قالت إيمي ثورن، المسؤولة التنفيذية في “نورثرن ترست” (Northern Trust)، التي وقعت في الآونة الأخيرة اتفاقاً بموجبه ستبدأ شركة “أرتميس إنفستمنت مانجمنت” (Artemis Investment Management) لإدارة الأموال في استخدام خدماتها لتعهيد التداول، إن “أحد الأفكار الرئيسية هو زيادة عدد شركات إدارة الأصول الكبرى التي تدرس هذه الخطوة. هذه ليست مجرد محاولة لخفض التكاليف”.

الوصول إلى فئات أصول ومناطق جديدة

تستطيع إدارات التداول بالتعهيد مساعدة شركات إدارة الأصول وصناديق التحوط في القيام بأنشطة التداول خلال فترات الازدحام، أو في القدرة على الوصول إلى فئات أصول أو مناطق جغرافية بعينها لم تتمكن من التعامل معها في السابق. مع ذلك، يوجد عدد متزايد من شركات إدارة الأموال تدرس استبدال أقسام التداول الداخلية فيها بتلك الإدارات بشكل كامل. 

يشير مؤيدو هذه الخطوة إلى أنها تحقق نتائج أفضل للمستثمرين النهائيين، فإدرات التداول بالتعهيد توفر لشركة مثل “جيفريز” القدرة على الوصول إلى عدد أكبر من منصات تنفيذ الأوامر، ما يعني أنها تستطيع تنفيذ الصفقات بتكلفة أقل. كما أنها قد تساعد مديري الأموال الأصغر حجماً على الوصول إلى النظراء الكبار، مثل “غولدمان ساكس” و”مورغان ستانلي”.

لكن هذا المجال يتطلب توازناً دقيقاً في التعامل مع العملاء، فيشير المنتقدون إلى أن هذا النوع من الخدمات يعني أن يفقد مدير الأموال الفهم المباشر لأحوال السوق، إلى جانب احتمال خسارة علاقات التداول المباشرة مع البنوك الأخرى.

قال جيسي فورستر، المحلل الأول لهيكل السوق وتكنولوجيا التداول في شركة “كريسيل كوليشين غرينيتش” (Crisil Coalition Greenwich)، إن “جانب الشراء ينجز المزيد بموارد أقل في الفترة الحالية، لذلك ينحسر التردد، لكن لا يزال هناك قلق، مثل: أتخلى عن جزء من السيطرة، هل مديري سيُعجب بهم أكثر مني؟ هل سيحققون أداءً أفضل من اللازم؟”.

شركات أخرى تنافس في المجال

من جهة “جيفريز”، تؤكد الشركة أنها تقدم خدمات “خالية من تضارب المصالح” لجانب الشراء، إذ يفصل البنك المتداولين بالتعهيد عن بقية فرق المبيعات والتداول.

أوضح دين غراي، مدير التداول الخارجي الدولي في “جيفريز”، في مقابلة أن “حواجز المعلومات التي نطبقها تضمن الفصل التام لتدفق الأوامر. يعمل كل مكتب إقليمي بشكل مستقل عن بقية وحدات (جيفريز) للأسهم لتجنب تضارب المصالح”.

“كلير ستريت” (Clear Street) هي شركة خدمات مالية أخرى تسعى إلى زيادة حصتها السوقية، وعيّنت مورغان رالف، الذي تولى سابقاً إدارة تطوير الأعمال والمنصة الخاصة بالقسم في “يو بي إس”، لإنشاء إدارة التداول بالتعهيد التابعة لها، بحسب ما كشفته “بلومبرغ” سابقاً.

أشار المدير التجاري لـ”كلير ستريت”، أندي فولز، إلى أن الشركة أضافت ستة متداولين لهذا الغرض، وتوقع أن يرتفع العدد إلى نحو 20 متداولاً خلال الثمانية عشر شهراً المقبلة.

قدمت “كانتور فيتزغيرالد” (Cantor Fitzgerald) خدمات التداول بالتعهيد للأسهم ومشتقاتها في السابق، غير أن المسؤولين التنفيذيين يستعدون حالياً للتوسع في قطاع العملات المشفرة، ودخلت الشركة بالفعل في محادثات أولية مع مديري أصول حول الخدمة الجديدة، وتستهدف إنشاء الإدارة الجديدة خلال النصف الأول من العام المقبل، بحسب توماس ريغاتزي، المدير العالمي لوحدة الوساطة الرئيسية لتداول الأسهم.

التداول المستمر يعزز جاذبية التداول الخارجي

تظهر البيانات التي جمعتها “ستيت ستريت” (State Street) تزايد عدد المؤسسات الاستثمارية التي تعتمد على مقدمي خدمات التداول بالتعهيد. ففي مسح أجراه البنك في 2024 شمل 300 شركة لإدارة الأموال، وجد البنك أن نحو ثلاثة أرباع المشاركين يرغبون في استخدام هذه الخدمات لتنفيذ عمليات التداول في سوق العملات الأجنبية، فيما أبدى 67% رغبتهم في استخدامها في المشتقات.

قال ديفيد بيرني، مستشار الشركات بشأن التعهيد في “إرغو كونسلتنسي” (Ergo Consultancy): “قيل سابقاً إن مديري التداول كانوا ينظرون إلى الاستعانة بتعهيد التداول بحذر واعتراض. لكن غالبية الشركات لا تسند التداول لجهات خارجية بنسبة 100%”.

في الواقع، كان ظهور التداول على مدار 24 ساعة في اليوم أحد العوامل التي أسهمت في تقبل مديري الأصول هذه الترتيبات بشكل أكبر، بحسب فورستر من “كريسيل كوليشين”. فبدلاً من توظيف فرق تتعامل مع زيادة تدفق الأوامر المتوقع حدوثها نتيجة التداول المستمر، يمكن للمستثمرين الاعتماد على مقدمي خدمات التداول بالتعهيد لأداء هذه المهام خارج ساعات العمل.

وأضاف فورستر: “سنشهد تزايد عدد مديري الأصول في آسيا، بل حتى في أوروبا، الذين يبحثون عن تغطية إضافية لعمليات التداول في الولايات المتحدة”.

توفير الحاجة للبنية التحتية وبناء القدرات

تستعين “ماريكس غروب” بأكثر من 30 متداولاً خارجياً على مستوى العالم، وافتتحت مكتباً في دبي خلال الأسابيع الماضية. وبدأت الشركة العمل مع عدد قليل من صناديق التحوط والمكاتب العائلية، وتستهدف مضاعفة العدد قبل نهاية العام الجاري.

قال جاك سيبالد، المدير المشارك العالمي لوحدة الوساطة الرئيسية والتداول الخارجي في “ماريكس”، إنه “سواء في دبي أو أبوظبي، هناك حجم هائل من رأس المال في المنطقة بحاجة لاستثماره. لا يجب عليهم بناء بنيتهم التحتية وقدراتهم، فهذا ما توفره لهم هذه الشركات”.

تسعى “نورثرن ترست”، بعد تفويضات مثل التي حصلت عليه من “أرتميس”، إلى توسيع نطاق خدماتها، بحسب ثورن، مديرة حلول التداول المتكاملة للشركة في أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا. وافتتحت الشركة مكتباً لأدوات الدخل الثابت في سيدني العام الماضي، مخصصاً لعملاء التداول بالتعهيد في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.

قالت ريبيكا كرو، مديرة عمليات قسم الأسواق في “بنك أوف نيويورك ميللون”: “كانت هناك فترة في الماضي لم يدرس فيها أحد تسليم دفاتر وسجلات العمليات الإدارية أو الداعمة أو أنشطة العمليات الوسيطة إلى طرف ثالث. يجب أن تفوز الرغبة في تحقيق الأرباح، والنتائج للعملاء في نهاية المطاف”. ويُذكر أن البنك أعلن يوم الإثنين أنه ضم “ليون ترست أسيت مانجمنت” (Liontrust Asset Management) كعميل لخدمات التداول بالتعهيد.