الاستثمار فى البورصة وصناديق الاستثمار

معركة الاقتصاد بين الهند وباكستان سبق وحُسمت

مايو 7, 2025 | by elaal4000@gmail.com

معركة الاقتصاد بين الهند وباكستان سبق وحُسمت

لا تزال التوترات بين الهند وباكستان مشتعلة، وسط مؤشرات على أن طبول الحرب بدأت تُقرع بين البلدين النوويين. غير أن ميدان الصراع الأشد وقعاً قد لا يكون في ساحة المعركة، بل في مضمار الاقتصاد، حيث تُظهر البيانات أن باكستان خسرت بالفعل معركة صامتة أمام جارتها.

منذ استقلالها عن الهند عام 1947، بدا أن باكستان تسير على درب واعد. ففي سبعينيات القرن الماضي، كان متوسط دخل الفرد الباكستاني أعلى بمرة ونصف من نظيره الهندي. لكنها كانت ومضة قصيرة في ليل طويل من الانحدار، في حين انطلقت الهند بثبات نحو القمة كقوة إقليمية وعالمية رئيسية، لتحتل المرتبة الخامسة في أكبر اقتصادات العالم متفوقة على المملكة المتحدة.

وتتجلى هذه الفجوة في الأرقام، فقد بلغ الناتج المحلي للهند بلغ 3.9 تريليون دولار في 2024؛ أي ما يعادل عشرة أضعاف الناتج المحلي لباكستان. ويعكس هذا الرقم تراكمات طويلة من السياسات الاقتصادية والاستراتيجيات التنموية التي ساعدت الهند على الصعود، في مقابل تحديات مزمنة أضعفت قدرة باكستان على اللحاق بالركب.

توقعات النمو والتضخم

وفقاً لتقرير صندوق النقد الدولي الصادر في أبريل 2024، يُتوقع أن يحقق الاقتصاد الهندي نمواً بنسبة 6.2% في العام الجاري و6.3% في 2025، مدعوماً بقوة سوقه المحلي وتنوع قطاعاته. كما يُتوقع أن يصل الناتج المحلي للهند إلى 4.19 تريليون دولار في العام المقبل، ما قد يجعلها في مصاف اليابان كأحد أكبر أربعة اقتصادات في العالم.

أما باكستان، التي يبلغ عدد سكانها نحو 247 مليون نسمة، فتواجه نمواً متواضعاً لا يتجاوز 2.6% في 2024 و3.6% في 2025. أما معدلات التضخم، فتشير التوقعات إلى انخفاضها في الهند من 4.7% إلى 4.2% هذا العام، ثم إلى 4.1% في 2025. في المقابل، يتوقع أن تتراجع نسبة التضخم في باكستان من نحو 24% في 2023 إلى 5.1% في 2024، قبل أن تعاود الارتفاع إلى 7.7% في العام التالي.

وفيما يخص البطالة، سجلت الهند 4.9% في 2023، ويتوقع أن تبقى مستقرة حتى 2025، بينما تُظهر التقديرات تراجعاً في معدل البطالة في باكستان من 8.3% إلى 7.5% خلال الفترة ذاتها.

مناخ الأعمال

لم يكن المسار الاقتصادي لباكستان معزولاً عن واقعها السياسي المضطرب، إذ ساهمت التوترات الداخلية والاضطرابات السياسية في إضعاف قدرة الدولة على بناء اقتصاد متماسك. فبين عامي 1988 و1998، شهدت البلاد سلسلة من الانقلابات التي تعاقبت خلالها سبع حكومات مدنية وعسكرية، ما أوجد مناخاً من عدم الاستقرار السياسي.

وفي ظل هذا الواقع، ارتفع الإنفاق العسكري بشكل لافت، وكثفت الاستدانة، ما خلق حالة عدم يقين أدت إلى تسرب رؤوس الأموال وإضعاف قدرة الحكومة المركزية على تنفيذ إصلاحات تنموية ضرورية لتحفيز النمو.

شكّلت جائحة كوفيد-19 نقطة تحوّل حادة في المسار الاقتصادي لباكستان، حيث أدت السياسات الحكومية المتبعة آنذاك، مثل برامج الائتمان المدعومة وتوسيع الإنفاق العام ودعم أسعار الطاقة، إلى تعميق الاختلالات المالية.

بحلول نهاية السنة المالية 2021–2022، ارتفع العجز المالي إلى 8% من الناتج المحلي الإجمالي، بينما بلغ عجز الحساب الجاري نحو 5%. في الوقت ذاته، تراجعت احتياطيات النقد الأجنبي بشكل حاد، وسط قفزة كبيرة في الواردات.

أدى التراجع الحاد في قيمة الروبية الباكستانية، التي فقدت أكثر من نصف قيمتها أمام الدولار خلال عامين، إلى تضخم كبير في الدين الخارجي. وبنهاية عام 2024، بلغ الدين الحكومي نحو 74% من الناتج المحلي الإجمالي، فيما قُدّر الدين الخارجي على باكستان قرابة 131 مليار دولار. ويمثل هذا الرقم نحو 34.5% من الناتج المحلي، علماً بأن 40% من هذا الدين مقوّم بالعملات الأجنبية، مما يجعل البلاد عرضة لتقلبات أسعار الصرف والفائدة العالمية. في المقابل، بلغ الدين الخارجي الهند والمقدر بـ712 مليار دولار،  إلا أن حجمه أقل تأثيراً نظراً لكبر اقتصادها.

الدين الخارجي على الهند في 2024 الدين الخارجي على باكستان في 2024
712 مليار دولار 131 مليار دولار

إصلاحات هيكلية في الهند

اتبعت الهند منذ تسعينيات القرن الماضي سياسات اقتصادية شملت تحرير السوق وتعزيز دور القطاع الخاص، بالإضافة إلى إعادة هيكلة أولويات التنمية بعيداً عن الزراعة. وتراجعت مساهمة القطاع الزراعي من 27.6% من الناتج المحلي في 1990 إلى 16% في 2023، في حين ساهم قطاع الخدمات بنحو 49.5% من الناتج، والصناعة بـ25%.

هذا التحول ساعد الهند في جذب استثمارات أجنبية مباشرة، لا سيما في قطاع التكنولوجيا. ونجحت نيودلهي في استقطاب شركات كبرى مثل “أبل” و”سامسونغ”، في إطار خطة لجعل الهند بديلاً صناعياً للصين.

ويعزز هذا المسار التغيرات الجيوسياسية العالمية، إذ صعدت مكانة الهند كوجهة بديلة في سلاسل التوريد، خاصة بعد التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين. وقد تجلى ذلك في قمة مجموعة العشرين التي استضافتها نيودلهي في سبتمبر 2023، حيث أُعلن عن مشروع “ممر اقتصادي جديد” يربط الهند بأوروبا عبر الشرق الأوسط، ومن المتوقع أن يُسهم في تسريع التجارة بنسبة تصل إلى 40%. وقد يشكل المشروع منافساً مباشراً لمبادرة “الحزام والطريق” الصينية.

شراكة باكستان مع الصين

أما باكستان، فكانت أقرب إلى الصين. وانضمت إلى مبادرة “الحزام والطريق” عام 2013، ما فتح الباب أمام استثمارات بنية تحتية ضخمة تجاوزت قيمتها 25 مليار دولار في مرحلتها الأولى. غير أن تدهور الوضع الاقتصادي الداخلي قلّص من قدرة إسلام آباد على الاستفادة الكاملة من هذه المشاريع.

ومع تعمق الأزمة المالية، تحولت الصين إلى المقرض الرئيسي لباكستان، إلى جانب صندوق النقد الدولي، وساهمت القروض الصينية في تجنيب البلاد سيناريو الإفلاس في أكثر من محطة. ففي مارس 2024، وافقت بكين مجدداً على تمديد أجل سداد قرض بقيمة ملياري دولار لمدة عام، تزامناً مع خضوع باكستان للمراجعة الأولى ضمن برنامج قرض بقيمة 7 مليارات دولار من “صندوق النقد الدولي”.

تجارة الجيران

على الرغم من القرب الجغرافي، تظل العلاقات التجارية بين الهند وباكستان محدودة. تحتفظ باكستان بعلاقات تجارية أقوى مع الصين، والإمارات العربية المتحدة، والسعودية، والولايات المتحدة، بينما تأتي الصين والولايات المتحدة وروسيا والسعودية والإمارات في طليعة الشركاء التجاريين للهند.

بلغ التبادل التجاري بين الهند وباكستان ذروته في عام 2018 عند 2.3 مليار دولار، مع ميل واضح في الميزان التجاري لصالح الهند، التي صدّرت إلى باكستان ما تزيد قيمته على وارداتها منها بنحو خمس مرات.

أما في السنة المالية 2024-2025، فتراجعت قيمة التجارة الثنائية إلى نحو 500 مليون دولار فقط، مع بقاء الفجوة التجارية الواسعة لصالح الهند.

لكن الأرقام الرسمية لا تعكس الصورة كاملة. إذ تُقدّر “مبادرة أبحاث التجارة العالمية” (GTRI) حجم التجارة غير الرسمية بين الهند وباكستان بنحو 10 مليارات دولار سنوياً، تتم عبر دول وسيطة مثل الإمارات وسنغافورة وسريلانكا.

وتعود جذور التدهور التجاري إلى عام 2019 عقب هجوم بولواما، حيث ألغت الهند الامتيازات التجارية لباكستان وفرضت رسوماً جمركية بنسبة 200% على وارداتها، لترد إسلام أباد بتعليق التجارة الثنائية. وفي أبريل 2025، وبعد هجوم جديد في باهالجام، قررت باكستان وقف جميع أشكال التبادل التجاري مع الهند، بما في ذلك عبر دول ثالثة، ما أدى إلى شلل شبه تام في التجارة الرسمية بين الجانبين.

المستقبل الاقتصادي

تشير التوقعات الدولية إلى أن الهند قد تصبح ثالث أكبر اقتصاد في العالم بحلول 2030، متجاوزة ألمانيا واليابان. في المقابل، لا تزال باكستان تعاني من مشكلات هيكلية في اقتصادها، تتطلب إصلاحات شاملة للخروج من حلقة الأزمات المتكررة.

#معركة #الاقتصاد #بين #الهند #وباكستان #سبق #وحسمت
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
📡 المصدر : #الشرق
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖

RELATED POSTS

View all

view all