رغم أن وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت لم يكن طرفاً مباشراً في صياغة أعلى رسوم جمركية أميركية منذ ما قبل الحرب العالمية الثانية، إلا أنه بات اليوم على رأس الجهود التفاوضية الرامية إلى الحيلولة دون تنفيذها.
تصدر مدير صندوق التحوط السابق قائمة مستشاري الرئيس الأميركي دونالد ترمب في الأيام الأخيرة، خصوصاً في ظل موجة البيع التاريخية التي شهدتها وول ستريت، والتي دفعت الإدارة إلى إعادة تقييم موقفها المتشدد تُجاه الرسوم الجمركية على الواردات.
وفي هذا السياق، دعا جيمي ديمون، أحد أبرز رموز القطاع المالي الأميركي، يوم الأربعاء إلى إسناد قيادة المحادثات التجارية إلى بيسنت. ففي مقابلة مع قناة “فوكس بيزنس” أكد ترمب مشاهدته لها، قال ديمون: “دعوا سكوت يأخذ وقته” مع الشركاء التجاريين لصياغة الصفقات.
وبعد ذلك بفترة وجيزة، ألغى بيسنت اجتماعاً كان مقرراً في منتصف اليوم مع الجمهوريين في الكابيتول هيل لمناقشة مشروع قانون خفض الضرائب الذي قدمه الحزب الجمهوري. وفي وقت لاحق من اليوم ذاته، ظهر في البيت الأبيض متحدثاً إلى الصحفيين باسم الإدارة، حيث أوضح تفاصيل قرار ترمب بتعليق تنفيذ معظم الرسوم “المتبادلة” لمدة 90 يوماً لإتاحة الفرصة أمام جولة من المفاوضات.
بيسنت محور ثقة وقلق في الأسواق
قبل تعيينه وزيراً للخزانة، كان بيسنت قد وصف نهج ترمب بأنه يقوم على “التصعيد من أجل التهدئة”، وهو وصف تخلى عنه فور انضمامه رسمياً إلى الفريق الرئاسي. لكن ما تشهده الساحة الآن يُعد تجسيداً عملياً لهذا الوصف. فقد أسند ترمب مهمة قيادة المفاوضات مع اليابان إلى بيسنت والممثل التجاري الأميركي جيميسون غرير، باعتبارها دولة ذات أولوية كونها حليفاً رئيسياً وكانت من أوائل الدول التي سارعت إلى طلب الحوار مع واشنطن.
وخلال اجتماع لمجلس الوزراء يوم الخميس، أشار ترمب إلى بيسنت ووزير التجارة هوارد لوتنيك باعتبارهما من “الأشخاص الذين يعملون على إبرام الصفقات”. وخلال الاجتمع نفسه، صرح بيسنت بأن وزارته ستتعاون مع وزارة التجارة ومكتب الممثل التجاري الأميركي لوضع “آلية عمل منظمة”، مؤكداً مجدداً أنّ ترمب سيشارك بشكل مباشر في المفاوضات التجارية.
سجلت الأسهم الأميركية ارتفاعاً يوم الأربعاء عقب إعلان التعليق المؤقت للرسوم الجمركية، إلا أن مؤشر “إس آند بي 500” فقد أكثر من ثلث مكاسبه يوم الخميس، مع تزايد قلق المستثمرين إزاء صعوبة المفاوضات المرتقبة مع عشرات الشركاء التجاريين.
وبهذا الصدد، قال جوش ليبسكي، المدير الأول لمركز الاقتصاد الجغرافي التابع لـ”المجلس الأطلسي” (Atlantic Council): “ما حدث بالأمس أن السوق شعرت أن لديها ناطقاً باسمها” في إشارة إلى بيسنت. وأضاف متحدثاً عن تراجع سوق الأسهم يوم الخميس: “اليوم اصطدمت السوق بالواقع”.
وبالنسبة لبيسنت، كان يوم الأربعاء “من أبرز الأيام في ولايته حتى الآن، لكن لا تزال هناك كثيراً من التحديات القادمة”.
بيسنت.. من الضرائب إلى التجارة
يُعد هذا تحولاً مفاجئاً في دور وزير الخزانة، الذي كان خلال الأسابيع القليلة الماضية يُشارك في قيادة مفاوضات متعلقة بحزمة الضرائب مع مشرعين جمهوريين، إلى جانب مدير المجلس الاقتصادي الوطني كيفن هاسيت.
امتنع متحدث باسم وزارة الخزانة عن التعليق على الأمر.
في نوفمبر الماضي، كان لوتنيك يُعتبر قيصر ملف التجارة بلا منازع، إذ لم يكتفِ ترمب باختياره وزيراً للتجارة، بل أعلن أيضاً أنه “سيتولى قيادة أجندتنا الخاصة بالرسوم الجمركية والتجارة”، كما منحه “مسؤولية مباشرة” عن مكتب الممثل التجاري الأميركي الذي يديره غرير.
في الآونة الأخيرة، برز المستشار الرئاسي بيتر نافارو كأحد الشخصيات المؤثرة، بعد أن لعب دوراً محورياً في الرسوم الجمركية المتبادلة التي أُعلن عنها في 2 أبريل، وهو اليوم الذي وصفه ترمب بـ”يوم التحرير”.
وفي هذا السياق، صرح بيسنت في وقت سابق هذا الأسبوع، قائلاً: “لم أكن جزءاً من عملية احتساب الأرقام” التي أُعلن عنها في 2 أبريل. وجاء ذلك في ظل تهاوي أسواق الأسهم وارتفاع عوائد السندات، ما أثار مخاوف من دخول الاقتصاد في حالة ركود، أو حتى أزمة مالية.
إلا أن بيسنت سيكون الآن مسؤولاً بشكل مباشر عن التفاوض مع الشركاء التجاريين للولايات المتحدة حول أي أرقام جديدة قد تتمخض عنها المحادثات التجارية. وقد أوضح أن كوريا الجنوبية وفيتنام والهند، إلى جانب اليابان، تُمثل أولويات في أجندته التفاوضية، لافتاً إلى أن هذه الدول تُحيط جغرافياً بالصين، التي واجهت زيادةً مفاجئةً في الرسوم الجمركية بنسبة 145%، دون أي مؤشرات واضحة على وجود مخرج من هذا التصعيد حتى الآن.
اضطرابات الأسواق المالية
صرح بيسنت يوم الأربعاء، قائلاً: “سأتولى دوراً قيادياً في التفاوض على العديد من الرسوم الجمركية، بدءاً من اليابان”، مُشيراً إلى أنه سيبقى في واشنطن خلال عطلة عيد الفصح لمتابعة محادثات مع دول أخرى، قبل أن يتوجه الأسبوع المقبل إلى الأرجنتين.
ومع ذلك، لا يزال الغموض يُحيط بما إذا كان هذا النهج الحالي والدور الرئيسي لبيسنت يشكلان جزءاً من خطة رئيسية كبرى، أم أنهما مجرد استجابة سريعة لموجة البيع الحادة التي شهدتها وول ستريت، والتي دفعت مؤشر “إس آند بي 500” إلى دخول سوق هابطة، بالتزامن مع هبوط حاد في سندات الخزانة الأميركية أثار مخاوف من أزمة تمويلية.
من جانبه، اعتبر برايان غاردنر، كبير استراتيجيي السياسات في واشنطن لدى شركة “ستيفل” (Stifel)، أن الدور البارز الذي يلعبه بيسنت يمثل “إشارة إيجابية للمستثمرين”.
في أعقاب إعلان الرسوم الجمركية في 2 أبريل، أكد بيسنت في عدة مقابلات صحفية أن عشرات الدول سارعت إلى التواصل مع واشنطن سعياً لبدء مفاوضات، مشدداً في الوقت نفسه على ضرورة تجنب الشركاء التجاريين للإجراءات الانتقامية. وقد خلت تصريحاته من أي تلميح بأن الجدار الجمركي الجديد والصارم سيظل قائماً لفترة طويلة، أو أنه سيُستخدم كأداة لإعادة توطين الصناعات داخل الولايات المتحدة، وهو أمر عادةً ما يشجع عليه المستشار نافارو.
كما حافظ بيسنت، وهو من مواليد ولاية ساوث كارولاينا، على قربه من ترمب بعد إعلان الأسبوع الماضي، حيث سافر إلى منتجع “مار إيه لاغو” خلال عطلة نهاية الأسبوع للتشاور مع الرئيس، في أعقاب تهاوي سوق الأسهم الأسبوع الماضي.
ديناميكيات الإدارة الأميركية تحت المجهر
من جانبه، صرح نافارو، بعد وقت قصير من تصريحات بيسنت في البيت الأبيض يوم الأربعاء، أن “الأمور تسير تماماً كما ينبغي”. وجدد تأكيده على أن المرحلة القادمة “ليس مفاوضات”، رغم أن الولايات المتحدة ستستمع لما سيطرحه الشركاء التجاريين. وأضاف خلال ظهوره على قناة “فوكس بيزنس”: “نحن جميعاً على اتفاق” داخل الإدارة.
ومع ذلك، يبقى أن نرى ما إذا كان هذا الانسجام الظاهري سيستمر مع تقدم المفاوضات. فقد قال هاسيت يوم الخميس إن “نحو 15 دولة” قدمت “عروضاً صريحة ندرسها ونقيمها لاتخاذ قرار بشأن مدى جدارتها بالعرض على الرئيس”.
وتعكس جلسة التداول المتقلبة التي شهدتها وول ستريت يوم الخميس حجم الضغوط الواقعة على الإدارة الأميركية لإبرام صفقات تُطمئن المستثمرين.