الاستثمار فى البورصة وصناديق الاستثمار

هل يضحى «ترامب» بهيمنة الدولار؟

مايو 31, 2025 | by elaal4000@gmail.com

هل يضحى «ترامب» بهيمنة الدولار؟

الغموض والمخاطر التضخمية الجديدة يقوضان آفاق الاقتصاد الأمريكى على المدى القصير

بعد أسابيع من الهدوء النسبى فى الأسواق المالية، عقب حالة الفوضى الجمركية التى أطلقها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب فى «يوم التحرير» والذى وافق 2 أبريل، عادت عجلة نفاد صبره تجاه النتائج المتوقعة إلى الدوران من جديد.

فبعدما أدرك أنه لا صفقة سهلة تلوح فى الأفق مع روسيا وأوكرانيا، بات على وشك التخلى عن تلك الجبهة، ليوجه اهتمامه إلى أهداف أكثر ليونة، مثل الاتحاد الأوروبى، الذى يهدده الآن بتعريفة جمركية بنسبة 50%، وجامعة هارفارد.

من الصعب الاعتقاد بأن ترامب فكر جدياً فى تكلفة هذه التحركات المتقلبة، لا سيما فيما يتعلق بالدولار.

ففى مارس الماضى، خالف الكاتب جيم أونيل، الرأى السائد الذى اعتبر أن الرسوم الجمركية ستدعم الدولار من خلال تقليص المعروض من العملة الأمريكية المحتفظ بها لدى الدول الأجنبية.

وقد كان محقاً، ومع ذلك يواصل ترامب السير فى الاتجاه نفسه، بل وبمزيد من الإصرار.

وحين غير موقفه من «إستراتيجية» الرسوم الجمركية فى منتصف أبريل، شجع الأسواق لفترة وجيزة على فكرة أن هناك ما يشبه «ضمانة ترامب» لحماية أسواق السندات والأسهم.

لكنه عاد لاحقاً ليرى، وبشكل مزاجى، أن الاتحاد الأوروبى يستحق فرض رسوم أعلى من تلك التى أعلن عنها فى 2 أبريل، رغم أنه أصدر بالفعل قراراً جديداً يؤجل تطبيق الرسوم بنسبة 50% حتى 9 يوليو.

السبب الوحيد لترامب فى التصعيد ضد الاتحاد الأوروبى هو نفاد صبره من مفاوضى التجارة الأوروبيين.

لكن أى شخص تابع مفاوضات «بريكست» الشاقة كان سيخبره بأن الاتحاد الأوروبى يميل إلى التعمق فى التفاصيل، فالأوروبيون بارعون فى التفاوض التجارى، ولم يكونوا يوماً فى وارد القبول بصفقة سطحية تتيح لترامب فقط ادعاء تحقيق إنجاز.

فهذا من شأنه أن يعنى قبولاً بمعدلات رسوم أساسية أعلى، تماماً كما حدث فى اتفاق الولايات المتحدة مع المملكة المتحدة.

بالنظر إلى حجم اقتصاد الاتحاد الأوروبى واعتماد الشركات متعددة الجنسيات الأمريكية عليه، يصعب تصور استمرار ترامب فى هذا النهج العدائى الجديد.

فإذا أصر عليه، فإن رد فعل السوق سيكون مشابهاً لما حدث فى أوائل أبريل، حين هبطت الأسهم الأمريكية بشكل حاد وقفزت عوائد سندات الخزانة الأمريكية، فى إشارة إلى هروب رؤوس الأموال.

فالرسوم الجمركية بنسبة 50% على السلع الأوروبية لن تخلف فقط تداعيات سلبية ضخمة على الشركات الأمريكية والمستهلكين، بل ستعرض أيضاً إحدى أبرز نقاط القوة الأمريكية للخطر، ألا وهى صادرات الخدمات.

ومن الواضح أن الرد الأوروبى سيكون موجهاً نحو شركات التكنولوجيا الأمريكية، من بين جهات أخرى.

إلى جانب ذلك، فإنَّ مطالبة ترامب للشركات الكبرى بنقل مصانعها إلى الولايات المتحدة تكشف عن تركيزه على الصناعات التقليدية مثل السيارات.

لكن احتمال أن تقف الحكومة الألمانية مكتوفة الأيدى وتسمح لعمالقة صناعتها بنقل الجزء الأكبر من عملياتهم إلى أمريكا هو احتمال منعدم تماماً.

هجمات ترامب على جامعة هارفارد، وعلى قطاع التعليم العالى بشكل عام، لا تقل ضرراً.

وكما أشار جيسون فورمان، فى صحيفة «فاينانشيال تايمز»، فإن القرار الأخير للإدارة الأمريكية بمنع هارفارد من قبول الطلاب الأجانب (الذين غالباً ما يدفعون الرسوم كاملة) يهدف إلى تقويض وضعها المالى.

لكن الضرر لن يقتصر على مؤسسة أكاديمية عالمية مرموقة، فمدينة بوسطن تشكل فى نواحٍ عديدة وادياً مصغراً لـ«سيليكون فالي»، وهناك منظومة ابتكار كاملة، بل الابتكار الأمريكى عموماً، مهددة بالتقويض.

فمنذ الآن، سيعيد الطلاب والعلماء والباحثون من مختلف أنحاء العالم التفكير مرتين قبل التوجه إلى الولايات المتحدة لاستكشاف الفرص المهنية.

وأثناء العمل على إحياء الاقتصاد الإقليمى فى المملكة المتحدة، لطالما كان هناك استلهام للنموذج الأمريكى فى الشمال الشرقي.

ففى كتب الاقتصاد خلال الستينيات والسبعينيات، كان يُنظر إلى هذه المنطقة على أنها فى مسار تراجع صناعى لا رجعة فيه، تماماً كما هى الحال اليوم فى شمال إنجلترا وبعض أجزاء أوروبا القارية.

لكن بفضل جامعاتها العالمية، لا سيما هارفارد وبقية الجامعات ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، تحولت هذه المنطقة إلى واحدة من أكثر المناطق ديناميكية وازدهاراً فى أمريكا.

فهل يريد ترامب فعلاً تعطيل هذا المحرك الحيوى للنمو؟

يعيدنا ذلك إلى مصير الدولار، فسلوك إدارة ترامب المزاجى والمدمر للذات يُقوض سريعاً كلاً من النظرة الدورية والنظرة الهيكلية تجاه العملة الخضراء.

وفيما يتعلق بالجانب الهيكلى، طورت أسلوباً لتقييم «القيمة العادلة» استناداً إلى أبحاث جون ويليامسون الرائدة فى تقييم أسعار الصرف الحقيقية المتوازنة، يرتكز على الأسعار النسبية والإنتاجية النسبية. فماذا تُظهر هذه الآلية؟

من خلال تقويض المؤسسات البحثية المتقدمة التى تدفع عجلة الإنتاجية، ومن خلال تبنى سياسات ترفع من معدلات الأسعار (دون الحديث عن الفجوة المالية الضخمة التى تنطوى عليها حزمة الضرائب الحالية)، فإن ترامب يُضعف القيمة العادلة طويلة الأمد للدولار.

ولزيادة الطين بلة، فإن تجاهله للمؤسسات التى تُكرس سيادة القانون، وبالتالى الديمقراطية الأمريكية والاقتصاد، يثير شكوكاً دائمة بشأن الحوكمة فى الولايات المتحدة، وبالنتيجة بشأن مدى ملاءمة الدولار كعملة احتياطية مهيمنة.

أما فى الجانب الدورى، فإن خلق ترامب المتواصل لحالة من الغموض والمخاطر التضخمية الجديدة يُقوض آفاق الاقتصاد الأمريكى على المدى القصير.

ورغم أن الدولار قد يكون على موعد مع ارتداد قريب (بعد الانخفاض الحاد الذى شهده)، إلا أنه من الممكن أيضاً أن يكون هذا الارتداد قد حدث فعلاً.

وسيكشف لنا الزمن ما إذا كانت الأسابيع القليلة الماضية تمثل نهاية هبوط الدولار أم لا.

#هل #يضحى #ترامب #بهيمنة #الدولار
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
📡 المصدر : #جريدة_البورصة
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖

RELATED POSTS

View all

view all