الاستثمار فى البورصة وصناديق الاستثمار

هل ستنتهي الاستثنائية الأميركية بهذه الطريقة؟

أبريل 6, 2025 | by elaal4000@gmail.com

هل ستنتهي الاستثنائية الأميركية بهذه الطريقة؟

يمثل الاقتصاد الأميركي حالة فريدة، إذ يتمتع بثراء وابتكار يفوقان معظم اقتصادات العالم المتقدم، ويواصل تحقيق معدلات نمو قوية. وخلال الأعوام الـ15 الماضية، قدّم أداءً لافتاً، إذ تفوقت سوق الأسهم الأميركية على نظيراتها في بقية الدول، في وقت خفت فيه بريق النمو في الصين وأوروبا.

لكن هذه “الاستثنائية الأميركية” باتت مهددة. فقد دفعت حالة عدم اليقين المحيطة بالتجارة العالمية ومستقبل قوة الدولار بعض كبار المستثمرين الأوروبيين إلى تقليص استثماراتهم في الأسهم الأميركية. وتذهب بعض التقديرات إلى أن التحدي قد يكون أعمق من ذلك. ومع مرور أقل من 100 يوم على بداية الولاية الثانية للرئيس الأميركي دونالد ترمب، بدأ بعض المراقبين بالفعل في الحديث عن احتمال أفول هذه المرحلة الاستثنائية لأميركا.

عوامل استثنائية الاقتصاد الأميركي

تستند مكانة الاقتصاد الأميركي الاستثنائية إلى مجموعة من العوامل المتكاملة. فمن جهة، يتمتع بأكبر وأعمق الأسواق المالية من حيث السيولة، ما يعزز قدرة النظام المالي على توجيه رؤوس الأموال نحو الاستخدامات الأكثر كفاءة وإنتاجية. لكن ما يجعل هذا الاقتصاد فريداً بحق هو ديناميكيته، التي تشكل أساساً للابتكار وتعزيز الإنتاجية، وتُعد عامل جذب رئيسياً لأفضل المواهب من مختلف أنحاء العالم.

ولفهم ما إذا كانت مرحلة الازدهار قد شارفت على نهايتها، من المهم التفرقة بين “الاستثنائية قصيرة الأجل” المرتبطة بالظروف المالية الراهنة، و”الاستثنائية الهيكلية” طويلة الأمد، التي لطالما ميزت الاقتصاد الأميركي خلال القرن الماضي. ورغم أن الزخم قصير الأمد قد يتراجع، إلا أن الطابع الهيكلي للاستثنائية الأميركية يبقى أكثر رسوخاً، وقادراً على الاستمرار على المدى الطويل، بغض النظر عن التحديات السياسية أو الأضرار المؤقتة التي قد تنتج عن سياسات رئيس معين خلال فترة وجيزة.

لم تكن الاستثنائية الأميركية قصيرة الأجل ظاهرة قابلة للاستمرار على المدى الطويل. فبعد الأزمة المالية العالمية، تدفّق المستثمرون من مختلف أنحاء العالم نحو الأصول الأميركية، بحثاً عن الأمان وفرص نمو أفضل، وهو توجه لا يزال قائماً حتى اليوم. ونتيجة لذلك، باتت الشركات الأميركية تستحوذ على نحو 57% من القيمة السوقية الإجمالية للأسهم العالمية. في الوقت نفسه، لا يزال الدولار الأميركي يحتفظ بمكانته كعملة احتياطية رئيسية على مستوى العالم، فيما تُعدّ سندات الخزانة الأميركية مؤشراً للأصول الخالية من المخاطر.

سياسات دونالد ترمب

في الأسابيع والأشهر الماضية، أثارت تحركات الرئيس الأميركي دونالد ترمب لإعادة تشكيل العلاقات التجارية، وفرض رسوم جمركية جديدة، مخاوف في أوساط المستثمرين، سواء داخل الولايات المتحدة أو خارجها. هذه السياسات التي يرى البعض أنها قد تُقوّض النمو وتقلّص الاعتماد الدولي على الدولار، انعكست على أداء الأسواق. فقد تراجع مؤشر بلومبرغ للدولار الفوري بنسبة 4.41% منذ منتصف يناير، بينما سجّلت الأسهم الأميركية تراجعاً خلال عام 2025، في وقت حققت فيه أسواق الأسهم العالمية مكاسب كبيرة.

قد يكون أداء الأسهم الأميركية والدولار الأميركي خلال الفترة الماضية مبالغاً فيه، ما يجعل من الطبيعي حدوث تحركات تصحيحية في الأسواق. وقد تساهم سياسات الرئيس دونالد ترمب في تسريع وتيرة هذا التراجع. غير أن الاستثنائية المالية لا تعني بالضرورة الحصانة من تقلبات السوق. فالعالم لا يزال يعوّل على تفوق الاقتصاد الأميركي وآفاق نموه، وحتى في حال تراجع جاذبية الأسواق الأميركية أو ضعف الدولار، لا يواجه الأخير منافساً حقيقياً على مكانته كعملة احتياطية عالمية مهيمنة.

بصرف النظر عن مستقبل الدولار الأميركي، فإن العنصر الذي يمنح الاقتصاد الأميركي تفوّقه الحقيقي هو تاريخه العريق في مجال الابتكار. ففي تقرير مؤشر الابتكار العالمي لعام 2024، حققت الولايات المتحدة أعلى التقييمات في عدد من المجالات، من بينها البحث والتطوير، ونشاط الشركات الناشئة، والأصول غير المادية، وجودة التعليم الجامعي، والإنفاق على البرمجيات، إضافة إلى حماية حقوق الملكية الفكرية. وتُعد هذه العوامل من المحركات الأساسية لديناميكية الاقتصاد الأميركي، التي لطالما ارتبطت بفرص التنقل الاجتماعي وارتفاع مستويات ريادة الأعمال.

هل يقوض ترمب الاستثنائية الأميركية؟

حالة الاستثنائية الأميركية ليست مجرد فكرة طارئة، بل تعكس عقيدة اقتصادية قائمة على تقبّل المخاطر، مدعومة بمنظومة مؤسسات قوية يصعب أن تزعزعها سياسات رئيس واحد. فالأميركيون يُعرفون باستعدادهم لتحمّل المخاطر بدرجة تفوق نظراءهم في الدول الغنية الأخرى، حيث يفضّل كثيرون هناك الأمان واليقين على المجازفة. وتُكافئ الولايات المتحدة هذا التوجه من خلال نظام ضريبي منخفض نسبياً، وقوانين إفلاس تتيح إعادة الانطلاق بعد الفشل، إضافة إلى بنية مؤسسية محفّزة.

لكن حتى أكثر النماذج قوة ليست بمنأى عن التحديات. فارتفاع مستويات الدين العام قد يحدّ من القدرة على تمويل المشاريع عالية المخاطر. وبدأت الديناميكية الاقتصادية في التراجع حتى قبل وصول دونالد ترمب إلى الرئاسة، مدفوعة بسياسات قيّدت تنقّل الأفراد، وأعاقت تغيّر الوظائف وتأسيس الشركات. وبينما تسهم بعض سياسات ترمب في زيادة منسوب عدم اليقين، إلا أنها تستهدف معالجة قضايا حقيقية، من بينها حجم الحكومة، وتسييس المجال العلمي، والمخاطر المرتبطة بقوة الدولار المفرطة.

تهديد ديناميكية الاقتصاد الأميركي

لكن ما يثير القلق حقاً هو الخطاب الحماسي الذي ألقاه نائب الرئيس جاي دي فانس في وقت سابق من الشهر الجاري، والذي كان يفترض أن يحتفي بالديناميكية الأميركية، لكنه سلط الضوء – دون قصد – على التهديدات التي قد تُقوّضها. فرغم أن الابتكار وروح المبادرة في وادي السيليكون يجسّدان مستقبل الولايات المتحدة ويعكسان اقتصاداً يُعدّ الأكثر ديناميكية عالمياً، فإن فانس أخطأ حين افترض أن هذه الديناميكية قادرة على التعايش مع السياسات الشعبوية.

الطرح الذي قدّمه بدا أقرب إلى نسخة جديدة من مفهوم الدخل الأساسي الشامل، حيث يُمنح المبتكرون والمستثمرون الناجحون حوافز مالية وإنتاجية، فيما تُوفَّر لبقية المواطنين وظائف مضمونة أو مدعومة بشدة، ومحميّة من تقلبات السوق.

لكن ما يميز الاستثنائية الأميركية حقاً هو وجود بيئة محفّزة على المخاطرة الاقتصادية الجيدة، وإتاحة فرص عادلة للجميع بغض النظر عن مستويات الدخل، في ظل اقتصاد تنافسي لا تحدده سياسات حكومية مفرطة تتدخل لتحديد الفائزين والخاسرين، أو تمنح الامتيازات لأصحاب النفوذ.

#هل #ستنتهي #الاستثنائية #الأميركية #بهذه #الطريقة
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
📡 المصدر : #الشرق
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖

RELATED POSTS

View all

view all