تسعى الحكومة المصرية إلى توفير الغاز الطبيعي للسوق المحلية مع حلول فصل الصيف وسط تعهدات بعدم العودة إلى تخفيف الأحمال مجدداً، عبر عدة مسارات، منها التوجه إلى إبرام عقود استيراد طويلة الأجل وتقديم حوافز للشركاء الأجانب.
واقع الغاز في مصر إنتاجاً واستهلاكاً واستيراداً
تبلغ احتياجات مصر اليومية من الغاز الطبيعي نحو 6.2 مليارات قدم مكعب يومياً، فيما يتراوح إنتاجها اليومي بين 4.1 و4.2 مليار قدم مكعب. وتستهدف الحكومة زيادة إنتاج الغاز الطبيعي بنهاية العام الجاري إلى نحو 5 مليارات قدم مكعب يومياً، خاصة مع زيادة الاحتياجات اليومية لنحو 7 مليارات قدم مكعب يومياً بأشهر الصيف.
تحولت مصر، التي كانت مصدّراً للغاز الطبيعي المسال، إلى دولة مستوردة في ظل تزايد الطلب الناتج عن نمو سكاني سريع وارتفاع درجات الحرارة، إلى جانب تراجع إنتاج الحقول المحلية، وخاصة حقل “ظهر”. ويبلغ متوسط الإنتاج في الحقل حالياً نحو 1.5 مليار قدم مكعب يومياً، وهو أقل بكثير من الذروة التي بلغها عام 2019 والمقدّرة بنحو 3.2 مليار قدم مكعب يومياً.
وبحسب بيانات الشحن التي جمعتها بلومبرغ، تراجعت صادرات مصر من الغاز الطبيعي المسال تدريجياً منذ أن بلغت ذروتها عند 7.7 مليون طن سنوياً في 2022، بينما استوردت نحو 2.5 مليون طن العام الماضي.
التوجه لإبرام عقود طويلة الأجل
تجري الحكومة المصرية محادثات مع موردي الغاز الطبيعي المسال لتوقيع عقود تمتد حتى عام 2030، في مسعى لتلبية الطلب المتزايد على الكهرباء خلال فصل الصيف.
ونقلت “بلومبرغ” عن مصادر، قولها إن العقود الجاري التفاوض بشأنها تمتد بين عامي 2028 و2030، وتهدف كذلك إلى تقليل اعتماد القاهرة على السوق الفورية المتقلبة. وتتضمن العقود بنوداً مرنة تسمح بإعادة تقييم الكميات المطلوبة خلال السنوات المقبلة، في حين سيتم تأمين أي شحنات إضافية عبر مناقصات شراء منفصلة.
التعاون مع قطر
كما بحثت مصر إبرام اتفاقات طويلة الأجل لاستيراد الغاز مع قطر، خلال زيارة قام بها وزير البترول المصري كريم بدوي للدوحة، بحسب بيان صادر عن وزارة البترول المصرية صادر يوم 12 مايو الجاري، دون أن يتطرق إلى تفاصيل بشأن عدد الشحنات أو إطارها الزمني.
تستورد مصر الغاز الطبيعي المسال القطري بشكل اعتيادي ضمن مشترياتها من الأسواق العالمية، لكن هذه المرة الأولى التي يتم الحديث فيها علناً بين الطرفين عن توقيع عقود طويلة الأمد.
إسرائيل تخفض إمدادات الغاز خلال الصيف
ستتقلص واردات مصر من الغاز الطبيعي الإسرائيلي بنسبة 20% خلال الصيف بدءاً من شهر يونيو حتى سبتمبر، مقارنةً بالفترة نفسها من العام الماضي، بسبب ارتفاع درجات الحرارة وزيادة الاستهلاك المحلي في إسرائيل، بحسب مسؤول حكومي تحدث لـ”الشرق” شريطة عدم الإفصاح عن هويته.
قال المسؤول لـ”الشرق” إن الشركات المصدّرة للغاز الإسرائيلي أخطرت الجانب المصري بأنه سيتم تقليص الكميات الحالية والمقدرة بنحو مليار قدم مكعب يومياً إلى 800 مليون قدم مكعب يومياً خلال الصيف المقبل.
بدأت مصر استيراد الغاز من إسرائيل للمرة الأولى في 2020، في صفقة قيمتها 15 مليار دولار بين شركتي “نوبل إينرجي” (التي استحوذت عليها “شيفرون” في 2020) و”ديليك دريلينغ”.
اعتادت مصر حتى نهاية 2023 توجيه تدفقات الغاز الإسرائيلي إلى مصنعي إدكو ودمياط للإسالة، بغرض إعادة تصديره في صورته المسالة إلى الأسواق الخارجية، لكن تراجع إنتاج الغاز المحلي دفع الحكومة إلى ضخ الغاز المستورد في السوق المحلية لتلبية احتياجاتها.
تأثير الخطوة الإسرائيلية
خفضت الحكومة المصرية إمدادات الغاز الطبيعي إلى مصانع الأسمدة والميثانول العاملة في البلاد بنسبة 50% اعتباراً من يوم 19 مايو الجاري ولمدة 15 يوماً، وفقاً لما كشفه أربعة مسؤولين حكوميين لـ”الشرق”، طالبين عدم الكشف عن أسمائهم.
وتستهلك مصانع الأسمدة والبتروكيماويات نحو 35% إلى 40% من إجمالي استهلاك القطاع الصناعي من الغاز، والمقدر بنحو 1.6 مليار قدم مكعب يومياً، أي حوالي 25% من مجمل الاستهلاك المحلي.
مصانع الأسمدة تتحرك لاستيراد الغاز مباشرة
تعكف مصانع الأسمدة الكبرى في مصر حالياً على إعداد مقترح رسمي لتقديمه إلى الحكومة، يتضمن طلباً بمنحها الحق في استيراد الغاز الطبيعي بشكل مباشر من الأسواق العالمية، في خطوة تستهدف تأمين احتياجاتها التشغيلية وتفادي تكرار أزمات نقص الإمدادات، حسبما نقلت صحيفة ” البورصة” عن مصادر وصفتها بأنها مطلعة على موقعها الإلكتروني.
وأوضحت المصادر، أن المقترح يأتي على خلفية تكرار انقطاع الغاز الموجه لمصانع الأسمدة، وهو ما أدى مؤخراً إلى تعطل الإنتاج في بعض المصانع وعرقلة التزاماتها التصديرية، لاسيما مع تنامي الطلب العالمي على الأسمدة النيتروجينية وارتفاع أسعارها الدولية.
وأكدت المصادر، أن المصانع ترى في الاستيراد المباشر حلاً، يمكنها من التفاوض مع الموردين الدوليين للحصول على الغاز بالكميات والأسعار التي تتماشى مع خططها التشغيلية، وهو ما من شأنه أن يدعم استقرار الإنتاج ويوفر التوازن المطلوب في السوق المحلي.
تقديم حوافز للشركاء الأجانب
تكثف مصر جهودها لتعزيز إنتاج الغاز، وقدمت عدداً من الحوافز لتشجيع الشركاء الأجانب على زيادة الإنتاج، تضمنت السماح بتصدير حصة معينة من الإنتاج الجديد ووضع جدول زمني لسداد مستحقات الشركات الأجنبية وزيادة أسعار شراء الغاز الجديد.
واتفقت الحكومة المصرية على زيادة سعر شراء الغاز المُستخرج حديثاً من حقول 3 شركات، هي “أباتشي” الأميركية و”كايرون بتروليوم” الإنجليزية “و”آي بي آر الوسطاني للبترول” التابعة لمجموعة “أي بي أر” (IBR) للطاقة، بنحو 61% ليصل سعر المليون وحدة حرارية بريطانية إلى 4.25 دولار مقابل 2.65 دولار في المتوسط بالاتفاقيات السابقة.
تسعى مصر لاستيراد ما يتراوح بين 155 و160 شحنة غاز مسال خلال العام الجاري، لسد الفجوة بين الاحتياج الفعلي للسوق المحلية من الغاز الطبيعي والإنتاج المحلي، بحسب مسؤول حكومي تحدث مع “الشرق” شريطة عدم نشر اسمه.
تلقي عروض استيراد من أرامكو وأدنوك وسوناطراك وقطر
تلقت الشركة القابضة للغازات الطبيعية “إيجاس” المصرية مؤخراً عدداً من العروض لاستيراد شحنات الغاز المسال اللازم للبلاد خلال العام الجاري. في طليعة الشركات التي تقدمت للصفقة، “أرامكو” السعودية، و”أدنوك” الإماراتية، و”سوناطراك” الجزائرية، و”قطر للغاز”، بحسب مسؤول حكومي تحدث لـ”الشرق” مشترطاً عدم نشر اسمه.
المسؤول أضاف أن “إيجاس” تعمل حالياً على مراجعة العروض الفنية والمالية المقدمة من الشركات بشأن تصدير شحنات الغاز المسال إلى مصر.
مصر حددت عدة شروط لتلقي طلبات التعاقد على استيراد شحنات الغاز المسال اللازمة لها خلال أشهر الصيف، ومنها ألّا يتعدى سعر المليون وحدة حرارية من الغاز 14 دولاراً،
تعاقدت مصر مع “شل” الهولندية و”توتال” الفرنسية لشراء ما إجماليه 60 شحنة غاز مسال خلال 2025 بحوالي 3 مليارات دولار، مع الحصول على مهلة في السداد لمدة عام من تاريخ تصدير كل شحنة. ويتضمن الاتفاق استيراد حوالي 5 شحنات شهرياً، ويتراوح حجم الشحنة الواحدة بين 160 و165 ألف متر مكعب توفر نحو 500 مليون قدم مكعب من الغاز يومياً للسوق المحلية لمدة أسبوع.
توفير محطات عائمة لاستيراد الغاز المسال
وقّعت مصر عقد استئجار لمحطة عائمة ثالثة لمعالجة واردات الغاز الطبيعي المسال، وقالت وزارة الاقتصاد الألمانية، إن وحدة التخزين العائمة وإعادة التغويز “إنيرغوس باور” تم تأجيرها من الباطن لصالح مصر بموجب عقد بين الوزارة وشركة “إيجاس” (الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية)، وفق “بلومبرغ” في 9 مايو الجاري.
كما تبحث مصر إنشاء محطة “تغويز” برية داخل مصنع “إدكو” المتوقّف عن العمل بمحافظة البحيرة شمال غرب القاهرة، بتكلفة متوقعة تتراوح بين 150 و200 مليون دولار، بحسب مسؤول حكومي مطلع. تقوم عملية التغويز على تحويل الغاز الطبيعي المسال من حالته السائلة إلى حالته الغازية، ليُضخ مباشرة في شبكات الغاز المحلية.
التعاون مع تركيا
كما تستقبل مصر سفينة التغويز التركية “بوتاش” خلال يونيو المقبل، لتزويد السوق بإمدادات تصل إلى 500 مليون قدم مكعب يومياً من الغاز، سعياً لتعزيز قدرات توليد الكهرباء خلال الصيف المقبل، بحسب مسؤول حكومي تحدث مع “الشرق” شريطة عدم نشر اسمه.
المسؤول الذي تحدث مع “الشرق” قال إن الاتفاق بين الجانبين المصري والتركي ينص على “أن تقوم السفينة التركية باستقبال شحنات الغاز المسال وتحويلها إلى غاز طبيعي خلال الفترة من يونيو حتى نوفمبر المقبلين، مقابل نحو 45 مليون دولار، للمساهمة في توفير احتياجات مصر من الغاز، على أن تعود للعمل في تركيا خلال أشهر الشتاء”.
التعاون مع قبرص
وقعت مصر وقبرص، في يوم 17 فبراير الماضي، اتفاقيات لإعادة تصدير وتسويق الغاز القبرصي، في خطوة حيوية لدفع جهود القاهرة نحو التحول إلى مركز إقليمي لتصدير الطاقة، خاصةً في ظل تراجع إنتاجها المحلي خلال العامين الماضيين، وفق “بلومبرغ”.
بموجب الاتفاقيات، سيُنقل إنتاج حقل الغاز “كرونوس”، الواقع قبالة الساحل الجنوبي الغربي في قبرص، وحقل “أفروديت”، الكائن جنوب شرق الجزيرة، إلى منشآت الإسالة المصرية في إدكو ودمياط، قبل تصديره كغاز طبيعي مسال.