يتوقع محللون ومستثمرون أن تستمر الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترمب على الواردات الصينية عند مستوى مرتفع قد يُكبل صادرات بكين إلى الولايات المتحدة بشكل حاد بعد انتهاء الهدنة التي تمتد حتى 90 يوماً، ما يشير إلى أن الصين قد تواجه ضغوط اقتصادية أكثر رغم المحادثات التجارية المستمرة.
بحسب استطلاع أجرته “بلومبرغ”، فإن الرسوم الأميركية المفروضة على المنتجات الصينية هذا العام يُرجح أن تظل عند 30% حتى أواخر عام 2025. وعلى الرغم من أن هذه النسبة أقل بكثير من المستويات التي كانت سائدة قبل التهدئة الأخيرة هذا الأسبوع، إلا أنها لا تزال مرتفعة بما يكفي لإلغاء %70 من الشحنات الصينية إلى أكبر اقتصاد في العالم على المدى المتوسط، وفقاً لتقديرات “بلومبرغ إيكونوميكس”.
انعدام الثقة في حل قريب للنزاع التجاري
أظهرت نتائج الاستطلاع، الذي أُجري يومي الأربعاء والخميس بمشاركة 22 شخصاً، تشاؤماً واضحاً بشأن قدرة المفاوضات التجارية على إلغاء الرسوم الجمركية التي فرضها ترمب على الصين خلال ولايته الثانية في وقت قريب.
كما يُتوقّع أن تكشف البيانات الرسمية المُرتقب صدورها يوم الاثنين عن تباطؤ في الإنتاج الصناعي الصيني خلال أبريل، نتيجة تأثير تهديدات الرسوم الجمركية على أداء الصادرات، وفقاً لاستطلاع منفصل.
قالت كيلي تشين، الاقتصادية لدى “دي إن بي بنك” (DNB Bank): “نتوقع أن تفضي المفاوضات التجارية إلى اتفاقات سطحية فقط”. وأضافت: “ليس هناك وقت كافٍ لتبدل مواقف الولايات المتحدة والصين بشكل جوهري” قبل انتخابات التجديد النصفي الأميركية في 2026، والتي تُعد بمثابة موعد نهائي محتمل للتوصل إلى تسوية.
تباين التوقعات بشأن الرسوم الجمركية
في ظل حالة عدم اليقين المحيطة بقدرة الولايات المتحدة والصين على التوصل إلى حل لنزاعهما التجاري، أظهر الاستطلاع تبايناً متزايداً في التوقعات المستقبلية؛ إذ يرى سبعة من المشاركين أن الرسوم الجمركية قد تنخفض إلى ما دون 30% خلال الأشهر الستة المقبلة، بينما توقع ستة آخرون ارتفاعها.
وفي حال توصل الطرفان إلى اتفاق تجاري نهائي، فإن الرسوم قد تنخفض إلى 20%، وفقاً لمتوسط التوقعات.
في المقابل، رجح معظم المشاركين استمرار الرسوم الجمركية التي فُرضت خلال الولاية الأولى لترمب، معتبرين أن خفضها سيكون بمثابة تنازل كبير قد يُثير غضب قاعدته الانتخابية. وتشير تقديرات “بلومبرغ إيكونوميكس” إلى أن متوسط هذه الرسوم يبلغ حوالي 12%.
سياسة ترمب الجمركية تهز الأسواق العالمية
تُعد سياسة ترمب المتعلقة بالرسوم على البضائع الصينية واحدة من أبرز العوامل المؤثرة في الاقتصاد العالمي والأسواق هذا العام. ويتوقع المشاركون في الاستطلاع أن أن تبقى الأصول الصينية ضمن نطاق تداول ضيق قرب مستوياتها الراهنة حتى نهاية العام، وسط حالة من انعدام اليقين حيال الرسوم وسياسات التحفيز.
متوسط التوقعات | الأعلى | الأدنى | |
اليوان المحلي | 7.2 لكل دولار | 7.7 | 6.9 |
العائد على السندات الحكومية لأجل 10 أعوام | 1.7% | 2.1% | 1.3% |
مؤشر “سي إس آي 300” | 4000 | 4500 | 3400 |
وبحسب متوسط آراء 17 مشاركاً، يُتوقع أن يستقر اليوان الصيني عند مستوى يقارب 7.2 لكل دولار بحلول نهاية 2025. ومع انحسار التكهنات بشأن خفض تقوده بكين لقيمة العملة، يُرجح أن تجد العملة الصينية نقطة استقرار، في ظل توقعات بأن تتدخل السلطات لمنع التدفقات السريعة لرؤوس الأموال سواء إلى الداخل أو الخارج.
أسواق الأسهم والسندات تحت الضغط
يتوقع روبرت غيلهولي، كبير الاقتصاديين في الأسواق الناشئة لدى شركة “أبردين إنفستمنتس” (Aberdeen Investments)، أن تستقر الرسوم الجمركية عند حوالي 50%، مشيراً إلى أن “أي أنباء إيجابية بشأن الرسوم قد تدفع السلطات الصينية إلى التخفيف من وتيرة التيسير في السياسات الاقتصادية، ما يعني أن هامش النمو سيكون محدوداً”.
وأضاف: “مع تكشف حجم الأضرار وتباطؤ وتيرة الاقتصاد، نتوقع أن تتجه السلطات في نهاية المطاف إلى التساهل مع تراجع سعر صرف العملة”.
وفي الوقت نفسه، من المرجح أن تشهد الأسهم في البر الرئيسي الصيني صعوداً تدريجياً، حيث قد يصل مؤشر “سي إس آي 300” (CSI 300) إلى مستوى 4000 نقطة، بزيادة تقدر بنحو %2 مقارنة بإغلاق الخميس الذي سجل حوالي 3900 نقطة. ويُتوقع أن تسهم شحنات التصدير المبكر، التي تهدف إلى تفادي الرسوم، في دعم أرباح الشركات، إلى جانب التقدم في قطاع التكنولوجيا والتحولات الهيكلية المستمرة في الاقتصاد الصيني.
أما على صعيد سوق السندات، فقد تواجه عوائد السندات الحكومية الصينية لأجل 10 أعوام صعوبات في الانخفاض بشكل أكبر، إذ تُشير متوسط التقديرات إلى بقائها عند مستوى 1.7% خلال العام الجاري. ويعد هذا المعدل قريباً من المستويات الحالية، حيث لا ترى الأسواق سوى زخم محدود لانخفاض سريع في العوائد بسبب تلاشي الآمال بشأن تيسير وشيك في السياسات.
مؤشرات اقتصادية متباينة
من المتوقع أن تُظهر البيانات الرسمية المنتظر صدورها صباح يوم الاثنين نمو الإنتاج الصناعي في الصين بنسبة %5.9 خلال أبريل مقارنةً بالعام الماضي، متراجعاً من %7.7 في مارس، بحسب مسح دوري لآراء الاقتصاديين. كما تباطأ نمو الصادرات خلال الشهر، وتراجع نشاط المصانع.
كما يُتوقع أن تسجل مبيعات التجزئة نمواً بنسبة %6 خلال أبريل، بارتفاع طفيف عن مارس. كما يُرجح أن يظل نمو الاستثمار في الأصول الثابتة مستقراً عند %4.3، مع تحسن طفيف عن الشهر السابق.
وحذر عدد من المشاركين في استطلاع الرسوم الجمركية من الاعتماد المفرط على التوقعات، نظراً للطبيعة المتقلبة لتحركات ترمب فيما يتعلق بسياسات الرسوم.
وقال سام جوشيم، الاقتصادي لدى شركة “إي إف جي أسيت مانجمنت” (EFG Asset Management)”: “يجب أن تكون الولاية الأولى لترمب بمثابة جرس إنذار، فنحن لا نزال في قلب العاصفة، والاتفاقات لا يمكن اعتبارها مضمونة”. وأضاف أن “المخاطر لا تزال مرتفعة في ظل تصاعد حالة عدم اليقين بشأن السياسة التجارية للولايات المتحدة”.