قفزت مؤشرات الأسهم الأميركية، لتكاد تمحو خسائر يوم الإثنين، مع انخراط المتعاملين في رهانات محفوفة بالمخاطر على أن البيت الأبيض سيبرم اتفاقات تجارية حاسمة مع أبرز شركائه الاقتصاديين. في الأثناء، بقي الدولار مستقراً، في حين ارتفعت عوائد سندات الخزانة القصيرة الأجل.
ارتفع مؤشر “إس آند بي 500” بنسبة 2.3%، بعد سلسلة تقارير غذّت توقعات وول ستريت بأن الأعمال العدائية المرتبطة بالرسوم الجمركية آخذة في الانحسار، مع إحراز الولايات المتحدة تقدماً في صياغة الاتفاقات.
ما زالت سلسلة من العناوين المتعلقة بالرسوم الجمركية تشدّ انتباه المتعاملين. وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت، خلال إفادة صحفية، إن “تقدماً يُحرَز على صعيد الاتفاقات التجارية، وإن الكرة تتحرك في الاتجاه الصحيح مع الصين”. جاء ذلك عقب تقرير نشرته “بوليتيكو” أفاد بأن البيت الأبيض يوشك على إبرام اتفاقات عامة مع كل من اليابان والهند في ملف التجارة.
وفي وقت سابق، صعدت الأسهم بشكل أكبر عقب تقرير لـ”بلومبرغ” عن تصريحات مغلقة لوزير الخزانة سكوت بيسينت، قال فيها إن المواجهة الجمركية مع الصين غير قابلة للاستمرار، متوقعاً أن تشهد تهدئة.
رغم التذبذب المحدود للدولار وسندات الخزانة يوم الثلاثاء، فإن السوق أظهرت قدراً أكبر من الاستقرار مقارنة بيوم الإثنين، حين ساد القلق بين المستثمرين من تداعيات محاولة محتملة من الرئيس دونالد ترمب لعزل رئيس الاحتياطي الفيدرالي، بعدما انتقد جيروم باول لتباطئه في خفض أسعار الفائدة. وبينما بالكاد تحركت عوائد سندات الخزانة لأجل 10 سنوات، فإن العائد على السندات لأجل عامين ارتفع مؤقتاً إلى 3.82%، بعد ضعف الإقبال.
تقلبات في ظل سيولة ضعيفة
على غرار يوم الإثنين، جاءت التحركات القوية للأسهم يوم الثلاثاء وسط تداولات أخف من المعتاد، وهو ما يفاقم في العادة من حدة التذبذب.
وأظهرت بيانات جمعتها “بلومبرغ” أن حجم التداول على الأسهم المدرجة في “ناسداك 100” كان أقل بنسبة 13% من المتوسط الأخير، في حين كان مستوى تداولات الإثنين، الذي تلا عطلة عيد الفصح، أقل بـ20% من المعدل التاريخي.
قالت أنويتي باهوجونا، الرئيسة التنفيذية للاستثمار في توزيع الأصول العالمية لدى “نورذرن تراست أسيت مانجمنت”، لتلفزيون “بلومبرغ”، يوم الثلاثاء: “نحن في فترة تتسم بعدم يقين بالغ، ولا ينبغي التفاعل المفرط مع التحركات اليومية”.
تراجعت أسعار الذهب بعد أن كانت قد ارتفعت إلى مستوى قياسي تجاوز 3500 دولار. وارتفعت “بتكوين” بأكثر من 4%.
تحركات لافتة لأسهم الشركات الفردية
تداولت أسهم جميع الشركات في مؤشر “العظماء السبعة” (ألفابت، إنفيديا، أمازون، أبل، ميتا، مايكروسوفت، تسلا) على ارتفاع، في وقت قفزت أسهم “ثري إم” (3M) بنسبة وصلت إلى 8.6% بعدما تمسكت بتوقعاتها المالية السنوية، رغم إقرارها بوجود مخاطر جديدة نتيجة الحرب التجارية.
أما “نورثروب غرومان” فأعلنت عن أرباح للربع الأول جاءت دون توقعات المحللين، وخفّضت توقعاتها للعام بأكمله، فانخفضت أسهمها 13%، في حين تراجعت أسهم “آر تي إكس” (RTX Corp.)، عملاقة الطيران والدفاع، بنسبة 10% بعد تحذيرها من أن الرسوم الجمركية تشكّل خطراً كبيراً على أرباح التشغيل.
أما أسهم “فرايزون” فهبطت بنسبة 0.3% بعد تسجيل تراجع في عدد مشتركي الهواتف المحمولة فاق التوقعات خلال الربع الأول.
تصريحات من مسؤولي البنوك المركزية
استمع المتعاملون أيضاً إلى عدة تصريحات من مسؤولي البنوك المركزية يوم الثلاثاء، إذ قالت رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد لقناة “سي إن بي سي” إن البنك “اقترب كثيراً من تحقيق هدفه في إعادة التضخم إلى 2%”، لكنها شددت على وجوب المرونة نظراً لتقلب الأوضاع الاقتصادية.
نائب رئيس الاحتياطي الفيدرالي فيليب جيفرسون قال إن أهداف البنك في استقرار الأسعار والتوظيف الكامل تعزز من القدرة على الحراك الاقتصادي، في حين كتب رئيس الاحتياطي الفيدرالي في فيلادلفيا باتريك هاركر في مقال، أن قياس الاستقرار الاقتصادي من خلال خط الفقر الفيدرالي قد لا يعكس بدقة الصعوبات التي يواجهها أصحاب الدخل المنخفض.
من جانبه، قال رئيس الاحتياطي الفيدرالي في مينيابوليس نيل كاشكاري إن من واجب البنك التأكد من أن الرسوم الجمركية لن تسبّب مشكلة تضخم مستمرة، وهو ما يتماشى مع تعليقات سابقة لرئيس الفيدرالي جيروم باول.
الرسوم الجمركية وتداعياتها
رغم الانتعاش الظاهري للأسهم يوم الثلاثاء، لا تزال المخاوف قائمة بشأن نية ترمب المحتملة بإقالة باول، وهي مخاوف تضيف إلى قلق المتعاملين الذين يعانون بالفعل من الاضطراب الناجم عن سيل الرسوم الجمركية.
سياسات ترمب وهجماته على الاحتياطي الفيدرالي دفعت المتعاملين إلى إعادة تقييم الدور التقليدي لكل من الدولار وسندات الخزانة كملاذات آمنة في أوقات التوتر. وحذّر صندوق النقد الدولي من أن التصعيد الأخير في الحرب التجارية قد يحمّل كلاً من الصين والولايات المتحدة خسائر جسيمة، ومن المرجح أن يتفاقم الوضع بعد هذا العام. ومع ذلك، فإن بعض المتعاملين يفضّلون التريث لرؤية نتائج المفاوضات مع الحلفاء.
قال ستيوارت كايزر، رئيس إستراتيجية تداول الأسهم في “سيتي غروب”، لتلفزيون “بلومبرغ” يوم الثلاثاء: “ننظر إلى مفاوضات تجارية أكثر نجاحاً مع حلفاء رئيسيين. أضع أوروبا والهند واليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا ضمن هذه الفئة. أعتقد أننا سنشهد تقدماً جيداً هناك، وهذا أمر إيجابي للأسواق”.
الأنظار تتجه إلى نتائج “تسلا”
لاحقاً يوم الثلاثاء، تتوجه الأنظار إلى شركة “تسلا” التي ستعلن نتائجها للربع الأول بعد إغلاق السوق. ورغم صعود سهمها بنسبة 6% يوم الثلاثاء، فإنه لا يزال منخفضاً بنحو 40% منذ بداية العام، إذ ساهم الجدل حول دور الرئيس التنفيذي إيلون ماسك في الحكومة الفيدرالية في تراجع المبيعات عالمياً.
في غضون ذلك، قالت الولايات المتحدة إنها أحرزت “تقدماً كبيراً” نحو اتفاق تجاري ثنائي بعد محادثات بين نائب الرئيس جاي دي فانس ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي.
ودعا فانس، يوم الثلاثاء، الهند إلى شراء مزيد من السلع الأميركية، لا سيما في قطاعي الطاقة والمعدات العسكرية. وكان ترمب قد انتقد مراراً ما وصفه بالرسوم الجمركية المرتفعة التي تفرضها الهند.