تحولت صناديق التحوط تدريجياً من استراتيجية “تباين المؤشرات” (أي الرهان على أن الأسهم ضمن مؤشر واحد تتحرك بشكل مختلف عن بعضها البعض) التي لاقت رواجاً في العام الماضي، إلى استراتيجيات أكثر دقة وتركيزاً.
مع اضطرابات الرسوم الجمركية التي أربكت الأسواق العالمية، أصبحت المخاوف الاقتصادية الكلية تهيمن على المشهد، متجاوزة الأخبار الخاصة بالشركات الفردية. في أبريل، وصل متوسط الارتباط بين تحركات أسهم مؤشر “إس آند بي 500” إلى أعلى مستوى له منذ أكثر من عامين، وبقي مرتفعاً حتى خلال فترة إعلان الشركات عن نتائجها المالية. وشهدت أوروبا اتجاهاً مماثلاً.
عادةً ما تؤثر ارتفاعات الارتباط سلباً على عوائد استراتيجيات “التباين”، التي تراهن على اختلاف تقلبات الأسهم الفردية مقارنة بالمؤشر العام، لكن هذا لم يحدث هذه المرة. فقد لجأ المستثمرون المحترفون إلى سلال أصغر وأكثر انتقائية بدلاً من الاعتماد على المؤشرات الكبرى، مما ساعدهم على تحقيق أرباح من هذه الاستراتيجية.
قال ميخاليس أونيسيفورو، استراتيجي المشتقات لدى “بانكو بيلباو فيزكايا أرجنتاريا” (Banco Bilbao Vizcaya Argentaria SA): “على الرغم من القفزة الأخيرة في الارتباط، إلا أن صفقات التباين كانت مربحة خلال الأشهر القليلة الماضية، إذ تركزت السلال على أسهم شهدت تقلباً فعلياً أعلى”. أضاف أن المتداولين في أوروبا الذين يطبقون استراتيجيات مراجحة التقلبات (vol-arb) جنوا أرباحاً في الأسابيع الأخيرة من خلال تصفية مراكزهم في الأسهم التي سجلت أعلى تقلب فعلي، مع تراجع التقلب الضمني.
الربحية من اتساع الفارق
تُظهر بيانات جمعتها “بلومبرغ” أن سلة افتراضية تراقب تقلبات شركات مالية سويسرية مختارة مقارنة بمؤشر السوق السويسري قد سجلت اتساعاً في الفارق الفعلي خلال أبريل، ما يعني أن المتداولين الذين اعتمدوا هذه الاستراتيجية كانوا في موقع ربحي.
على الرغم من أن الارتباط الضمني لمؤشر “إس آند بي 500” على مدى ثلاثة أشهر تراجع عن ذروته في وقت سابق من أبريل، إلا أن متوسطه الشهري كان ضعف المتوسط السنوي تقريباً. كانت استراتيجيات الاستثمار الكمي، والتي يعتمد بعضها على استغلال التباين، نشطة إلى حد كبير في أسواق الأسهم مؤخراً، وحققت نماذج التباين منها “أداءً قوياً للغاية”، وفقاً لأدريان جيليو، الرئيس التنفيذي لشركة “بريميالاب” (Premialab) المتخصصة في تتبع عروض استراتيجيات الاستثمار الكمي.
كانت استراتيجيات التباين الدفاعي رائجة حتى قبل 2 أبريل، لكنها أصبحت أكثر أهمية في بيئة التقلب الحالية. ولمواكبة هذا الوضع، أوصى استراتيجيون في “جيه بي مورغان تشيس” بتقنيات تساعد على التعامل مع صدمات الارتباط، مثل تنفيذ تحوطات جزئية خلال اليوم على الجزء المتعلق ببيع تقلب المؤشر منخفض التذبذب، أو دعم المراكز الاستثمارية من خلال استخدام خيارات على مؤشري “VIX” أو “VStoxx” للتحوّط من ارتفاعات مفاجئة في التقلبات.
من جهتهم، أشار استراتيجيون في “بنك أوف أميركا” إلى أن التهديد الجمركي للاقتصاد العالمي “صُنع بأيدٍ بشرية ويمكن التراجع عنه”، وبالتالي فإن المخاطر الشديدة في الطرف الأيسر من منحنى توزيع العوائد تظل مستبعدة ما لم تحدث صدمة خارجية. وأوصوا الأسبوع الماضي بإعداد أكثر جرأة لاستراتيجية التباين مع تبنّي توجه نحو مراكز تركز على بيع التقلب.
الإفلات من تأثير الرسوم الجمركية
يبدو أن وفرة استراتيجيات بيع التقلب (الرهان عن الانخفاض) نجت حتى الآن من اضطرابات الرسوم الجمركية دون أضرار كبيرة. واستغلت بعض الصناديق متعددة الاستراتيجيات الوضع في أوائل أبريل، حين كانت التقلبات مرتفعة، للدخول في صفقات “تجارة الفائدة” أو بيع التقلب. وفقاً لجيليو، فإن بعض الصناديق التي نجحت في توقيت الدخول حققت عوائد من خانتين في غضون أيام قليلة فقط، مع انهيار مستويات التقلب لاحقاً.
مع ذلك، فإن التراجع الأخير في التقلبات يُعد مؤشراً على تغيّر البيئة، وأصبحت تجارة الفائدة تُنفذ الآن بشكل أكثر تركيزاً من خلال خيارات ذات سعر تنفيذ ثابت، بحسب أنطوان بورشيريه، رئيس هيكلة المنتجات المؤسسية لمنطقة المملكة المتحدة وأوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا لدى “سيتي غروب”.
قال بورشيريه: “تزايدت عمليات بيع التقلب بطريقة مقيدة المخاطر”. أضاف أن صانعي السوق أصبحوا أقل انكشافاً على تغيرات التقلب، لذلك “في حالات الهبوط، من الممكن أن نشهد ردود فعل أقل للتقلب كما كان الوضع قبل كورونا، أو أن تكون أي قفزة في التقلب قصيرة الأجل”.