الاستثمار فى البورصة وصناديق الاستثمار

رد فعل بتكوين على الرسوم يعكس نظرة الأسواق تجاه الدولار

أبريل 17, 2025 | by elaal4000@gmail.com

رد فعل بتكوين على الرسوم يعكس نظرة الأسواق تجاه الدولار

دارت أحاديث كثيرة حول تزامن تحركات الأسهم والأصول المشفرة منذ إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب عن تعريفات “يوم التحرير” في 2 أبريل، حيث رأى البعض في هذا التزامن مؤشراً على أن موجة التعريفات الأولى شكلت تهديداً للأصول عالية المخاطر، في حين أن قرار تأجيل تطبيق الرسوم لاحقاً كان خطوة صائبة، خاصة وسط الخوف الكبير من دخول الاقتصاد مرحلة ركود.

لكن للأسف أغلب التعليقات التي تناولت هذا الموضوع اتسمت بالتحيز الحزبي، وغابت عنها التحليلات الاقتصادية المتزنة. ومع إمعان النظر في توقيت تحركات الأسهم والأصول المشفرة قد نخرج باستنتاجات مختلفة تماماً، ومنها ما يثير القلق بصفة خاصة حول مسار الدولار الأميركي أكثر من تلك المتعلقة بالتجارة الدولية أو استقرار العلاقات العالمية أو الركود الاقتصادي.

مراحل تفاعل السوق مع الرسوم

مرت الأسواق المالية بثلاث مراحل من التفاعل مع رسوم ترمب:

المرحلة الأولى: ظهرت في تداولات ما بعد إغلاق السوق يوم 2 أبريل، والتحركات في اليومين التاليين، التي اتسمت بالخوف من الاضطرابات في الأسواق المالية، وتدفقات التجارة، والعلاقات الدولية، وكانت تلك المرحلة سيئة للأسهم، وجيدة للعملات المشفّرة. 

ثم استمرت تلك المرحلة خلال عطلة نهاية الأسبوع وحتى إعلان ترمب عن تراجع جزئي في 9 أبريل، حينما تحولت مشاعر المستثمرين إلى احتمال حدوث ركود عالمي. ومنذ ذلك التحوّل، يبدو أن القلق بات يتركّز على قيمة الدولار الأميركي.

كل هذا كان ينبغي التعامل معه بحذر، إذ أنه من الخطير تفسير تحركات السوق مباشرة فور حدوثها. وقد يستغرق فهم ما تحاول الأسواق قوله شهوراً أو حتى سنوات، وكثيراً لا نصل إلى إجابة واضحة. فالأسواق تحاول توقع مسار تدفقات نقدية لعقود مقبلة، في وقت يشهد أحداث كثيرة، والتوقعات التي تحرّك الأسهم اليوم عادةً ما تتحقق على أرض الواقع بعد فترة طويلة.

قد يعجبك أيضاً: كيف زلزلت رسوم ترمب بورصات العالم؟ وهل تتكرر الهزة؟

بالطبع هناك استثناءات من ذلك مثل الأخبار الواضحة المتعلقة بتغيير الاحتياطي الفيدرالي لأسعار الفائدة، أو صدور إحصاءات اقتصادية حاسمة، أو الكوارث الطبيعية. ففي مثل هذه الحالات، نعلم متى تتلقى السوق الخبر، ويمكننا قياس ردّ الفعل خلال ثوانٍ أو دقائق، دون الضجيج الذي يتراكم على مدى يوم أو أكثر من التداول.

لكن أخبار رسوم ترمب الجمركية لا تطابق هذه الحالات، لأسباب عدّة، من بينها الطبيعة المعقّدة لتلك الرسوم، والتي تتطلّب وقتاً لاستيعابها وتقييم ردود الفعل عليها.

استجابت الأسهم في بداية الإعلان عن رسوم “يوم التحرير” بالانخفاض بنسبة أقل من 1% في أول 10 دقائق من التداولات بعد إغلاق السوق، لكن مؤشر “إس آند بي 500” هبط بنسبة 10.5% في اليومين التاليين. وفي تلك الأثناء، صعدت عملة بتكوين.

جاءت هذه التحركات بينما كانت السوق تستوعب ردود فعل الدول الأجنبية والتحليلات الأكثر تفصيلاً للتداعيات. علاوة على ذلك، كانت هناك تداعيات غير مباشرة هامة. فالتعريفات العدوانية أشارت إلى أن ترمب سيُسرع خططه بشكل عام ويتحرك بقوة -أو حتى بكشل متهور- في تنفيذها، بما في ذلك خفض التكاليف عبر وزارة كفاءة الحكومة، وتخفيف التشريعات، وتنفيذ قوانين الهجرة، وبدا أن هذا التحرك الأحادي الصادم قد يقوّض التعاون الدولي والعلاقات الودية.

الركود يؤذي بتكوين والأسهم

خلال عطلة نهاية الأسبوع تغير شيء ما، وبدأت “المرحلة الثانية”: ظهرت يومي الإثنين والثلاثاء، وفي تلك المرحلة لم تتحرك الأسهم كثيراً لكن أسعار بتكوين انخفضت بشدة. 

فالحروب التجارية، والتوترات الدولية، والحمائية، وضوابط رأس المال، والقمع المالي جميعها من العوامل التي تدفع بتكوين للصعود، لكن الركود العالمي قد يؤدي إلى تراجعها مثل الأسهم وأحياناً أكثر.

تشكل هشاشة الاقتصاد العالمي منذ بدأ التعافي من جائحة كوفيد، خلفية بالغة الأهمية لهذا المشهد، فقد اقتربنا من الركود التضخمي خلال سنوات الرئيس الأميركي السابق جو بايدن، وتوقع معظم الاقتصاديين حدوث ركود عندما بدأ الاحتياطي الفيدرالي في رفع الفائدة بوتيرة حادة لكبح التضخم. وخلال فترة انتخاب ترمب، ناهزت احتمالية حدوث ركود 25%، ثم ارتفعت منذ ذلك الحين.

جسّد إعلان التعريفات تلك المخاوف الكامنة في الأسواق. فالمستثمرون لم يروا في الرسوم الجمركية سبباً مباشراً للركود، لكنهم أدركوا أن هشاشة الوضع الاقتصادي قد تجعل من هذه الرسوم الشرارة الأولى التي تطلق نار الركود، وتحوّله إلى أزمة أطول وأبشع من المتوقع.

ضياع قيمة الدولار الأميركي

منذ تراجع ترمب الجزئي عن الرسوم الأعلى على عشرات الشركاء التجاريين، تحركت الأسهم والعملات المشفّرة طردياً بشكل أكبر مما يمكن تفسيره من خلال الأخبار فقط، وهنا جاءت المرحلة الثالثة.

مر الاقتصاد الأميركي بمرحلة مثل هذه من قبل، ووقتها كان الدولار هو سبب هذه التحركات، فكل من الأسهم والعملات المشفّرة مقومة بالدولار، وإذا انخفضت قيمة الدولار، يرتفع كلاهما، وإذا ارتفعت قيمة الدولار، ينخفض كلاهما. 

لكن قيمة الدولار هنا لا تقاس من خلال مؤشر أسعار المستهلك أو أسعار الصرف الأجنبية، وإنما بمشاعر المستثمرين تجاه الاحتفاظ بالدولار والأصول الاسمية مقارنة بالأوراق المالية مثل الأسهم والعملات المشفّرة.

تقلل الرسوم الجمركية عموماً من جاذبية الاحتفاظ بالسيولة المالية مقارنة بالأصول غير النقدية. فالأميركيون لن يستطيعوا شراء الكثير بدولاراتهم، والتعريفات المتبادلة تعني أن الأجانب أيضاً لن يتمكنوا من شراء الكثير بعملاتهم. وعادةً ما تجعل الأحداث التي تعيق الأسواق الحرة السيولة المالية أقل قيمة. وعلى العكس، فإن الهروب إلى الأصول الآمنة قد يعني أن التوترات الدولية واضطرابات التجارة تجعل الدولار أكثر قيمة، رغم انخفاض قدرته الشرائية. ويمكن أن يكون للولايات المتحدة ذات القدرات المالية الكبيرة نفس التأثير على قيمة الدولار.

على أي حال، عندما تراجع ترمب عن قراراته، بدا أن مستثمري الأسهم والعملات المشفّرة توصّلوا إلى قناعة بأن الدولار فقد جزءاً من قيمته، مما دفع الأسهم وبتكوين إلى الارتفاع معاً بشكل متزامن، واستمر هذا النمط لاحقاً. ومع استمرار حالة الغموض، قد يصبح من الصعب التنبؤ بموعد دخول السوق مرحلة جديدة من التقلّب، حيث من المرجح أن يتغير الارتباط القائم بين حركة الأسهم وسعر بتكوين، وقد يحتاج التنبؤ بموعد حدوث ذلك إلى أكثر من مجرد أدوات تحليل تقليدية.

فوضى مستمرة بسبب ترمب

في ضوء ذلك، يتبقى سؤال: ماذا يحمل المستقبل للأسواق؟

من المحتمل أن تستمر فوضى الرسوم الجمركية لعدة أشهر، إن لم تكن طوال فترة إدارة ترمب. ساهم التعليق المؤقت في تهدئة الوضع وتقليص احتمالات حدوث ركود أو صراع دولي كبير. وإذا تمكنت الإدارة من ضمان الاستقرار السياسي، فقد تصبح القضية مشابهة للأحداث المتعلقة بسقف الدين أو إغلاق الحكومة التي تزعزع الأسواق والسياسة لفترة ثم تتلاشى في غياهب النسيان، حتى وإن لم تُحل النزاعات الأساسية أبداً.

القضية الأعمق والأكثر أهمية هي عدوانية ترمب واستعداده للاستماع إلى المستشارين الرئيسيين. ففي المرة المقبلة التي يحدث فيها شيء مشابه -وأنا واثق أن هناك مرة قادمة- أتوقع أن تتفاعل الأسهم بشكل أسرع وأكثر سلبية، بينما تستفيد العملات المشفّرة.

كانت الدراما التي شاهدناها تتعلق باقتصاديات الرسوم الجمركية والدبلوماسية. لكن المرة القادمة سينظر إليها المستثمرون كفصل آخر في مسرحية طويلة الأمد؛ فلماذا القلق بشأن الآثار الاقتصادية طويلة الأجل لسياسات تتغير أو حتى تتقلب يومياً؟ وقد تصبح السياسة، وليس الاقتصاد، المحرك الرئيسي لتقلبات الأسواق المالية حتى يهدأ ترمب أو يغادر منصبه.

#رد #فعل #بتكوين #على #الرسوم #يعكس #نظرة #الأسواق #تجاه #الدولار
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
📡 المصدر : #الشرق
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖

RELATED POSTS

View all

view all