
تشهد السياسات النقدية في الولايات المتحدة مساراً متبايناً بوضوح عن تلك التي تنتهجها أوروبا خلال العام المقبل، حيث تشير التوقعات إلى نمو وتضخم أعلى في الولايات المتحدة مقارنة بمنطقة اليورو المتباطئة.
ومن المتوقع أن يخفض مجلس الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة بمعدل أقل بكثير مقارنة بالبنك المركزي الأوروبي بحلول نهاية العام المقبل. يأتي ذلك في ظل ضعف النمو الاقتصادي والتضخم الذي يقل عن المستهدف في منطقة اليورو.
في المقابل، تُظهر التوقعات التي جمعتها شركة “كونسينس إيكونوميكس” استمرار التضخم في الولايات المتحدة فوق 2% طوال عام 2025، في حين يُتوقع أن ينخفض التضخم في منطقة اليورو إلى أقل من هدف البنك المركزي الأوروبي البالغ 2% بحلول فبراير المقبل.
سياسة ترامب وتأثيرها على الاقتصاد الأمريكي
مع استعداد دونالد ترامب لتطبيق تخفيضات ضريبية وزيادة في الرسوم الجمركية، يتوقع خبراء الاقتصاد أن تنمو الفجوة بين سياسات الاحتياطي الفيدرالي والبنك المركزي الأوروبي، حسب ما نقلته صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية.
وتقول جينيفر مكيوين، كبيرة الاقتصاديين العالميين في شركة “كابيتال إيكونوميكس”: “نتوقع تباعداً بين دورات التخفيف النقدي لكل من الاحتياطي الفيدرالي والبنك المركزي الأوروبي، حيث تتخذ الولايات المتحدة نهجاً حذراً بسبب مخاطر التضخم المتزايدة، بينما يستجيب المركزي الأوروبي بقوة للضعف الاقتصادي”.
يبرز هذا التباعد المتزايد مخاوف متصاعدة بشأن اقتصاد منطقة اليورو المأزوم، حيث يخشى صُناع السياسات من أضرار إضافية محتملة جراء حرب تجارية قد يقودها ترامب.
ومن المتوقع أن تؤدي خطط الرئيس المنتخب إلى تعزيز النمو الاقتصادي والتضخم في الولايات المتحدة على المدى القريب، فيما أكد رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول هذا الشهر أنه “ليس في عجلة من أمره” لخفض أسعار الفائدة.
انعكاسات التباعد على الأسواق والعملات
على مدار السنوات الثلاث الماضية، كانت السياسات النقدية حول العالم تتحرك بتزامن نسبي مع ارتفاع التضخم بشكل كبير.
لكن السياسات النقدية لعدد من البنوك المركزية، مثل البنك الاحتياطي الفيدرالي والبنك المركزي الأوروبي وبنك إنجلترا، بدأت تأخذ مسارات مختلفة هذا العام، ويتوقع أن تزداد تبايناً في 2025.
ارتفع العائد على سندات الخزانة الأمريكية لأجل عامين إلى 4.4% نهاية الأسبوع الماضي مقارنة بـ3.6% بداية الشهر الماضي، مع تصاعد المخاوف بشأن التضخم.
كما أدى أدى هذا التباين إلى انعكاس في أسواق العملات، حيث تلعب أسعار الفائدة دوراً رئيسياً، وقد شهد الدولار، الذي كان يتراجع منذ الصيف، انتعاشاً كبيراً مقابل العملات الأخرى خلال الانتخابات الأمريكية، مع توقع المستثمرين لتأثير سياسات ترامب المتعلقة بالرسوم الجمركية والضرائب.
أما اليورو، فقد انخفض إلى أدنى مستوياته منذ عامين بعد موجة بيع هي الأكبر منذ أزمة الطاقة في 2022، مدفوعاً ببيانات اقتصادية ضعيفة وتوقعات بخفض نصف نقطة مئوية في اجتماع البنك المركزي الأوروبي المقبل.
نظرة اقتصادية مستقبلية قاتمة
صرح صاموئيل تومبس، الاقتصادي في “بانثيون ماكروإيكونوميكس”، بأن معدل البطالة في الولايات المتحدة لا يزال منخفضاً بما يكفي، وتوقعات التضخم مرتفعة بما يكفي “للاعتقاد بأن موجة جديدة من التضخم قد تصبح متأصلة”.
وأضاف أنه “من المحتمل أن يضطر الاحتياطي الفيدرالي إلى إنهاء دورة التيسير النقدي مبكراً إذا نفذ ترامب أجندته بسرعة”.
يتوقع الاقتصاديون حالياً أن يصل النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة إلى 2.7% في عام 2024، مقارنة بأقل من 1% في التوقعات الصادرة في أكتوبر 2023، وفقاً لـ”كونسينس إيكونوميكس”.
وبالنسبة للعام المقبل، تم تعديل توقعات النمو الاقتصادي الأمريكي إلى 1.9% مقارنة بـ1.6% التي كانت متوقعة في مارس.
في المقابل، تسير التوجهات في الاتجاه المعاكس في منطقة اليورو، حيث تم تخفيض توقعات النمو إلى 0.7% هذا العام و1.1% العام المقبل.
وخلال الصيف، كانت توقعات النمو في المنطقة تشير إلى 1.4% لعام 2025.
وتشير بعض الدراسات الاستقصائية إلى احتمال دخول اقتصاد منطقة اليورو في ركود، بحسب جينيفر مكيوين من “كابيتال إيكونوميكس”، التي قالت إن ذلك “سيكون تناقضاً صارخاً مع صمود الاقتصاد الأمريكي”.
الفائدة والسياسات النقدية المتباينة
تتوقع الأسواق خفضاً بأكثر من 1.5 نقطة مئوية في أسعار الفائدة في منطقة اليورو بحلول نهاية العام المقبل.
ومن المتوقع أن ينخفض معدل الإيداع من المستوى الحالي البالغ 3.25% إلى 2% بحلول يونيو، ويستمر في الانخفاض بنهاية العام.
كما يتوقع الاقتصاديون الذين استطلعت آراؤهم “كونسينس إيكونوميكس” أن يصل المعدل الوسطي إلى 2.15% بحلول ديسمبر 2025.
أما في الولايات المتحدة، فتتوقع الأسواق خفضاً أقل من 0.7 نقطة مئوية في أسعار الفائدة بحلول نهاية العام المقبل، مقارنة بالمعدل الحالي البالغ 4.5-4.75%.
ويتوقع الاقتصاديون أن يصل المعدل الوسطي إلى 3.375%.
وقال أندريه سزيبانيك، الخبير الاقتصادي في بنك الاستثمار “نومورا”، إن “تركيز البنك المركزي الأوروبي ينصب بشكل متزايد على مخاوف النمو الاقتصادي بعيداً عن القلق بشأن التضخم”.
وأضاف أنه “في النهاية، نعتقد أن البنك المركزي الأوروبي سيضطر إلى خفض المعدلات إلى ما دون المستوى المحايد لدعم الاقتصاد”.
توقعات المملكة المتحدة
في المملكة المتحدة، تتوقع الأسواق خفضاً تدريجياً لأسعار الفائدة من قبل بنك إنجلترا، بعد مراجعات صعودية لنمو الناتج المحلي الإجمالي والتضخم نتيجة الإجراءات المعلنة في ميزانية الخريف.
وقد جاء النمو الاقتصادي البريطاني أقوى من المتوقع في النصف الأول من العام، بينما ارتفع التضخم بنسبة أكبر من التوقعات ليصل إلى 2.3% في أكتوبر.
وتتوقع الأسواق أن تنخفض أسعار الفائدة إلى حوالي 4% بحلول نهاية العام المقبل، مقارنة بالمعدل الحالي البالغ 4.75%.
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
📡 المصدر : #جريدة_البورصة
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
RELATED POSTS
View all