
تحتاج المؤسسة إلى تمويل أكثر ذكاءً وأقل كلفة بجانب المساهمات التقليدية
عندما وضعت مجلة “تايم” في عام 1999، آلان جرينسبان وروبرت روبن ولورنس سامرز، على غلافها تحت عنوان “اللجنة التي أنقذت العالم”، أغفلت القصة المرفقة تفصيلاً بالغ الأهمية، وهو أن هذه اللجنة لم تنفق سنتاً واحداً لتحقيق ذلك.
فعندما واجهت وزارة الخزانة الأمريكية خطر تجاهل الكونجرس لأزمات الأسواق الناشئة، بما ينطوي عليه ذلك من مخاطر امتدادية على النظام المالي الأمريكي، لجأت إلى “صندوق استقرار الصرف”.
لم تنفق الولايات المتحدة أموالاً جديدة، بل قدمت قروضاً من أموال قائمة واستعادتها بالكامل، مما اعتُبر نجاحاً باهراً.
واليوم، تجد المملكة المتحدة نفسها في موقف مشابه، إذ ترغب في دعم المصالح الاقتصادية الدولية لكنها تفتقر إلى الميزانية اللازمة لذلك، وهنا، يجدر بها أن تلجأ إلى آلية مماثلة لديها تُعرف بـ”حساب معادلة الصرف”.
أُنشئ هذا الحساب في عام 1932 للتدخل في أسواق الصرف الأجنبي، وكان مصدر إلهام لإنشاء نظيره الأمريكي بعد عامين، حسب ما نقلته صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية.
وخلال معظم القرن العشرين، كانت مهمة هذه الصناديق الاحتياطية واضحة، ألا وهي دعم نظام “بريتون وودز” القائم على أسعار صرف ثابتة.
غير أن انهيار نظام “بريتون وودز” وتخلي الولايات المتحدة عن قاعدة الذهب في عام 1971 وضع هذه الصناديق تحت ضغطين؛ مالي وفكري.
فعلى المستوى المالي، أدى تخفيف القيود على حركة رؤوس الأموال إلى تحرير أسواق الصرف، مما جعل التدخل مكلفاً للغاية.
أما من الناحية الفكرية، فإن تراجع قدرة الاقتصادات المتقدمة على التدخل المالي ترافق مع تآكل قناعاتها بجدوى التدخل أصلاً.
وهكذا، تبنت العديد من الدول نظام التعويم الحر للعملات، وأصبحت الصناديق الاحتياطية بلا هدف واضح.
في ثمانينيات القرن الماضي، بدأت الولايات المتحدة بإعادة توجيه “صندوق استقرار الصرف” نحو تقديم قروض استقرار لدول أمريكا اللاتينية التي عصفت بها أزمات الديون والعملات، في محاولة لاحتواء تداعيات تلك الأزمات على الاقتصاد الأمريكي.
وبعد نجاح بارز تمثل في دعم المكسيك بـ20 مليار دولار في عام 1995، قرر الكونجرس تقييد استخدام الصندوق، رغم أن تلك التمويلات لم تُكلف دافعي الضرائب شيئاً وأُعيد سدادها بالكامل.
ومع ذلك، رأى الكونجرس أن الصندوق يحتاج إلى رقابة مشددة، لتنتهي بذلك فعلياً حقبة التمويل الثنائي.
في مرحلة لاحقة، انطلقت مرحلة أقل إثارة للجدل من التمويل المتعدد الأطراف، من خلال صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.
وقد استمرت هذه المرحلة في دعم الأهداف نفسها، لكنها كانت أقل إثارة للنقاش العام لأنها أقل مخاطرة، إذ يُقرض “صندوق استقرار الصرف” مؤسسات ذات تصنيف ائتماني مرتفع بدلاً من دول تواجه ضائقة ديون.
من المفارقات أن “حساب معادلة الصرف” البريطاني، الذي استُوحي منه النموذج الأمريكي، لم يشهد تطوراً مماثلاً.
فمنذ أزمة “الأربعاء الأسود” في عام 1992، ظل هذا الصندوق، الذي تبلغ قيمته 150 مليار جنيه إسترليني، في حالة خمول إلى حد كبير، مركّزاً استثماراته على أوراق مالية قصيرة الأجل.
وهذا أمر مؤسف بالنظر إلى أن لديه صلاحيات قانونية تتيح له القيام بأكثر من ذلك، إذ ينص هدفه الثانوي على “القيام باستثمارات لدعم أهداف السياسة الاقتصادية الأوسع نطاقاً”.
وفي ظل القيود المالية التي تثقل كاهل المصالح الاقتصادية، فإن الوقت مناسب لإعادة النظر في “حساب معادلة الصرف” وأهدافه.
تعترف المملكة المتحدة ضمنياً بهذه الإمكانية من خلال تقديمها، بين الحين والآخر، قروضاً شبه مجانية إلى صندوق النقد الدولي. إذ يقوم “حساب معادلة الصرف” حالياً بإقراض الصندوق مبلغ 2.7 مليار جنيه إسترليني.
ومن الناحية القانونية والمالية، يمكنه بسهولة تقديم مبلغ مماثل، أي 2.7 مليار جنيه أخرى، تمثل 1.8% من قيمة الأصول، إلى “مؤسسة التنمية الدولية” التابعة للبنك الدولي.
ومن دون الحاجة إلى زيادة الدين العام أو الضرائب، يمكن لهذا التمويل أن يعزز جهود البنك الدولي في مجالات التنمية، وتدفقات اللاجئين، وتقديم بدائل للتمويل الصيني.
بالنسبة إلى “مؤسسة التنمية الدولية”، فإن مثل هذه الترتيبات التمويلية ضرورية.
فمع تقليص الميزانيات، باتت تعتمد أكثر على إصدار السندات بدلاً من مساهمات الدول، مما يفرض عليها ضغوطاً طويلة الأمد، حيث تقترض بمعدلات تجارية وتُقرض بمعدلات تفضيلية.
لذلك، تحتاج المؤسسة إلى تمويل أكثر ذكاءً وأقل كلفة، إلى جانب المساهمات التقليدية، ويمكن للمملكة المتحدة توفير هذا النوع من التمويل من دون كلفة مالية، نظراً لأن تصنيف البنك الدولي الائتماني الثلاثي يضمن سداد القرض بالكامل.
إذا أرادت بريطانيا تأسيس “لجنة لإنقاذ العالم” خاصة بها، أو حتى فقط تعزيز سياستها الاقتصادية الدولية في زمن تقليص الميزانيات، فإن لديها الأدوات والموارد اللازمة لذلك.
#بريطانيا #قادرة #على #تأسيس #لجنة #لإنقاذ #العالم
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
📡 المصدر : #جريدة_البورصة
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
RELATED POSTS
View all