قررت الهند تعليق معاهدة تقاسم المياه التي تخوض بشأنها مفاوضات مع باكستان برعاية البنك الدولي منذ عقود، كما ستقلص مستوى علاقاتها الدبلوماسية مع جارتها، متهمةً إياها بالتورط في أحد أعنف الهجمات منذ سنوات والتي استهدفت مدنيين.
قَتل مسلحون 26 شخصاً، معظمهم من السيّاح، في إقليم جامو وكشمير شمالي الهند يوم الثلاثاء، فيما تعهدت حكومة رئيس الوزراء ناريندرا مودي باتخاذ إجراءات “واضحة وصاخبة” للرد. على الرغم من أن نيودلهي لم تقدم حتى الآن أدلة معلنة تربط الهجوم بجارتها في جنوب آسيا، إلا أنها شرعت في اتخاذ إجراءات عقابية ضد باكستان بعد يوم واحد فقط من الهجوم.
قال نائب رئيس الوزراء الباكستاني إسحاق دار، في منشور عبر منصة “إكس”، إن لجنة الأمن القومي في البلاد ستجتمع يوم الخميس للرد على قرارات الهند. في المقابل، صرح وزير الدفاع الباكستاني أن لا صلة لبلاده بهجوم الثلاثاء، ولم تتبن أي جماعة حتى الآن المسؤولية عن الهجوم.
تصعيد مرتقب بين الهند وباكستان
قد تتصاعد التوترات بين الخصمين النوويين في الأيام المقبلة، ما قد يُؤدي إلى إجراءات أكثر عدوانية. خاضت الدولتان حروباً كبرى بسبب كشمير منذ عام 1947، وهي منطقة تقع في جبال الهيمالايا وتطالب بها كل من الهند وباكستان بالكامل وتسيطر كل منهما على جزء منها. كانت آخر مرة اقترب فيها الطرفان من اندلاع حرب شاملة في عام 2019، حين قُتل 40 عنصراً من قوات الأمن الهندية في هجوم انتحاري. حينها، أعلنت جماعة “جيش محمد”، وهي جماعة جهادية مقرها باكستان، مسؤوليتها عن الهجوم، فردّت الهند بتنفيذ أول ضربات جوية على الأراضي الباكستانية منذ عام 1971.
قال هارش بانت، أستاذ العلاقات الدولية في “كينغز كوليدج” في لندن، إن الهند قررت حتى الآن اتباع “رد تدريجي”. وأضاف أن لجنة الأمن الوزارية برئاسة مودي قررت تعليق “معاهدة مياه نهر السند” مع باكستان، وتقليص عدد الموظفين في البعثات الدبلوماسية.
قال وزير الخارجية الهندي فيكرام ميسري في نيودلهي يوم الأربعاء، إن اللجنة الأمنية “أقرّت ضرورة محاسبة منفذي الهجوم ورعاتهم”، رغم أنه لم يقدم أي دليل يربط باكستان بالهجوم.
من المقرر أن تخفض الهند عدد موظفي بعثتها في إسلام آباد، كما طردت ثلاثة مستشارين عسكريين باكستانيين على الأقل من مفوضية باكستان العليا في نيودلهي، على أن يغادروا البلاد خلال أسبوع. وأضاف ميسري أن البلدين سيخفضان عدد موظفيهما الدبلوماسيين إلى 30 فقط بدلاً من 55 بحلول الأول من مايو.
سيُغلق المعبر الحدودي بين البلدين في ولاية البنجاب الشمالية، كما طُلب من المواطنين الباكستانيين الموجودين في الهند مغادرتها.
قرار تعليق معاهدة المياه
في تصريح لوكالة “أسوشيتد برس أوف باكستان” الرسمية، قال وزير الدفاع الباكستاني خواجا آصف إن الهند لا تستطيع اتخاذ قرار أحادي بتعليق المعاهدة المائية، لأن ذلك يُعد انتهاكاً للقوانين الدولية. وأضاف وزير الموارد المائية ميان معين واطو أن بلاده لن ترضخ للضغوط، وسترد على أي عدوان هندي.
يُعد نهر السند، الذي يتدفق من الهند إلى باكستان، شريان حياة لملايين المزارعين في كلا البلدين. وقد يُلحق تعليق تقاسم المياه ضرراً بالغاً بإنتاج المحاصيل في باكستان، في وقت لا تزال فيه البلاد تتعافى اقتصادياً بمساعدة حزمة إنقاذ من صندوق النقد الدولي.
قال بانت إن الرسالة الأولى من هذا الرد تعني أن الهند تستهدف المجتمع الباكستاني من خلال المعاهدة؛ لأن الضحايا كانوا من المدنيين.
تعد الإجراءات التي اتخذتها الهند بعد الهجوم هي الأشد منذ عام 2019؛ حين شنت غارات جوية على معسكرات يُشتبه بأنها لمتشددين داخل الأراضي الباكستانية. مع ذلك، حذر بانت من أن “أي رد فعل مبالغ فيه” قد يخلق تحديات لحكومة مودي، مضيفاً أن “باكستان تُعتبر شبه هامشية في حسابات الهند الكبرى، وبالتالي فإن الإفراط في استغلال هذا الملف قد يكون مشكلة أيضاً”.
بينما تجاهلت الأسهم الهندية إلى حد كبير تأثير التصعيد في التوترات، تراجعت الأسهم الباكستانية يوم الخميس.