دخلت مجموعة من الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترمب حيز التنفيذ السبت الماضي. من المقرر أن يبدأ تنفيذ البقية الأربعاء. شهدت أسواق الأسهم حول العالم هبوطاً كبيراً، حيث انهارت بعض المؤشرات بشكل أسوأ مما حدث خلال 2020 عندما كان العالم يُعاني من وباء عالمي.
إذا استمرت هذه الرسوم الجمركية، فإن كل قطاع اقتصادي سيشهد تأثيراً. قال باس سودماير، المدير العام في شركة “بوسطن كونسالتينغ غروب” (Boston Consulting Group) للاستشارات: “هل ستكون هذه مشكلة بالنسبة لتحول الطاقة؟ قطعاً”.
حالة عدم اليقين في السياسات الاقتصادية
بلغ مؤشر عدم اليقين في السياسات الاقتصادية، الذي وضعه خبراء اقتصاد ويجري تتبعه على نطاق واسع في مجتمع الأعمال التجارية، أعلى مستوى له منذ عقود. تعد هذه علامة مقلقة لمعظم مشاريع تحول الطاقة، التي تتضمن استثمارات ضخمة في البنية التحتية التي تحتاج إلى عوائد تستغرق عقوداً لاسترداد التكاليف.
ستختلف شدة التأثيرات حسب القطاع والدولة، وفق ما يقوله محللو “بلومبرغ إن إي إف”.
رغم ذلك، فإن شركات تحول الطاقة قد أصبحت، من جوانب عدة، أكثر صلابة عندما يتعلق الأمر بحروب التجارة. إليكم ما يقوله الخبراء حول ما قد يحدث بعد ذلك:
ستكون جنوب وشرق آسيا الأكثر تضرراً. في حين أن خطة ترمب تفرض ضريبة استيراد بنسبة 10% – المعروفة أيضاً بالرسوم الجمركية – على كافة البضائع، فإن إدارته تفرض على العديد من الاقتصادات الآسيوية معدلات أعلى بكثير، والعديد من تلك الاقتصادات تعتمد بشكل أكبر على تصدير منتجات الطاقة النظيفة إلى الولايات المتحدة الأميركية.
المقارنة بين الاتحاد الأوروبي (معدل الرسوم الجمركية 20%) وكمبوديا (معدل الرسوم الجمركية 49%) تظهر التأثر، حيث أرسل التكتل الموحد نحو 25 مليار دولار من البضائع المرتبطة بالطاقة النظيفة إلى الولايات المتحدة العام الماضي، مقارنة بـ820 مليون دولار من كمبوديا، وفق تحليل “بلومبرغ إن إي إف”. لكن هذه البضائع شكلت نحو 1% من صادرات الاتحاد الأوروبي إلى الولايات المتحدة الأميركية، مقارنةً بـ9% بالنسبة لكمبوديا.
البطاريات
قد تؤدي الرسوم الجمركية إلى توقف طفرة البطاريات التي تخدم شبكة الكهرباء الأميركية. تعد تركيبة “فوسفات الحديد الليثيوم” الكيمياء المفضلة للبطاريات المستخدمة في الشبكات، ومعظمها يأتي من الصين.
تقدر “بلومبرغ إن إي إف” أن الرسوم الجمركية الإضافية التي فرضها ترمب على الواردات الصينية ستؤدي إلى زيادة في أسعار بطاريات التخزين 17.5% بحلول 2026، فوق الزيادة في التكلفة التي كان من المتوقع أن تحدث نتيجة لقرارات الرسوم الجمركية التي اتخذها الرئيس الأميركي السابق جو بايدن.
تُظهر حسابات شركة “بوسطن كونسالتينغ غروب” أن حوالي 85% من المواد المستخدمة في البطاريات المصنوعة في الولايات المتحدة الأميركية مستوردة. قال سودماير: “لا يمكنك استبدال ذلك بين عشية وضحاها”.
ولهذا السبب، تقدر “بلومبرغ إن إي إف” أنه خلال 2025، سيكون من الضروري استيراد جميع فواصل البطاريات تقريباً، و83% من القطب السالب للبطاريات، و67% من القطب الموجب للبطاريات لتلبية الطلب المحلي. سيؤدي هذا ببساطة إلى رفع أسعار البطاريات في الولايات المتحدة الأميركية على المدى القصير.
الطاقة الشمسية
ربما يكون قطاع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح البرية في وضع أفضل في الولايات المتحدة الأميركية مقارنةً بالقطاعات الأخرى. تتمتع الولايات المتحدة بسلسلة إمداد قوية لقطاع طاقة الرياح البرية، وبالتالي تتوقع “بلومبرغ إن إي إف” أن عمليات التركيب وتكاليف هذا القطاع قد تكون محصنة من تأثيرات الحرب التجارية.
بالإضافة إلى ذلك، تملك الولايات المتحدة نحو 50 غيغاواط من الألواح الشمسية المخزنة في المستودعات والتي جرى استيرادها من جنوب شرق آسيا قبل الإعلان عن الرسوم الجمركية. من المفترض أن يساعد ذلك، على المدى القصير، في تخفيف التأثيرات التي من المحتمل أن تواجهها القطاعات الأخرى المتعلقة بعملية تحول الطاقة.
إذا كان هناك أي جانب إيجابي في الوقت الحالي، فهو أن القطاعات المرتبطة بعملية تحول الطاقة قد تكون أكثر استعداداً من غيرها لخوض حرب تجارية.
شهدت هذه القطاعات زيادة سريعة في القيود التجارية عبر كافة أنحاء العالم على مدى العقد الماضي.
رأت “بوسطن كونسالتينغ غروب”، جنباً إلى جنب مع وكالة الطاقة الدولية، أن القيود التجارية، سواء كانت رسوماً جمركية أو غير جمركية، تؤثر على كل شيء من الألواح الشمسية إلى المحللات الكهربائية. قد يعني هذا أنها ستكون قادرة على تجاوز الوضع الحالي بشكل أفضل من القطاعات الكبرى الأخرى، على حد قول سودماير.
بعيداً عن التكاليف، قال سودماير إن أكبر قلق بالنسبة لتحول الطاقة ما يزال هو نوع الهجوم الذي يغلق قناة السويس ويوقف سلاسل الإمداد العالمية بشكل مفاجئ. تابع: “كل مصنع سيخبرك أنه يحتاج 3 آلاف مكون لصنع محول كهربائي، ويكفي أن يغيب مكون واحد لتواجه مشكلة”.
سيناريو الركود الاقتصادي
في الوقت نفسه، إذا أدت الرسوم الجمركية إلى ركود اقتصادي، فمن المحتمل أن يؤدي ذلك إلى خفض انبعاثات الغازات الدفيئة لفترة قصيرة.
رغم ذلك، ليست هذه هي نوعية العمل المناخي القابلة للاستدامة. كتب أيضاً محللو ذراع إدارة الثروات العالمية في بنك “يو بي إس غروب”: “النشاط الاقتصادي المنخفض يؤدي إلى انخفاض في انبعاثات الكربون. رغم ذلك، هذه ليست مقاربة دائمة كما تعلمنا في السنوات الخمس الماضية منذ وباء كوفيد-19”.
شهد 2024 أعلى درجات حرارة على الإطلاق على مدى عام، إذ تجاوزت الحرارة 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية، وهو الهدف الأكثر طموحاً بموجب اتفاقية باريس، طوال العام.
من المرجح أن تصعب الرسوم الجمركية التي فرضها ترمب كبح ظاهرة الاحتباس الحراري وتقليص الانبعاثات في الولايات المتحدة الأميركية بشكل خاص. كتب محللو بنك “يو بي إس غروب”: “من المحتمل أن تؤدي الرسوم الجمركية إلى رفع تكاليف التكنولوجيا النظيفة في وقت تكون هذه التكنولوجيا أغلى بكثير في الولايات المتحدة الأميركية مقارنة بالدول الأخرى”.
