تعاني الصين من ارتفاع كبير في الديون بعد طفرة البنية التحتية التي استمرت لعشرات السنين. وتدور نسبة الدين العام (بما يشمل قروض الأذرع التمويلية للحكومات المحلية) حول 120% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، فيما تتجاوز نسبة العجز المالي 10% وفقاً لأحد المقاييس.
هذه الأرقام، بالإضافة إلى تباطؤ الاقتصاد، أثارت قلقاً في بكين حول ما إذا كانت البلاد على مشارف أزمة. ويسود الاعتقاد بأن أي تحفيز كبير للاقتصاد لن يؤدي إلا إلى مزيد من تراكم الديون وتهديد الأمن المالي في نهاية المطاف.
نتيجة لذلك، تتردد بكين في إجراءات التحفيز حتى عندما اعترفت في أواخر سبتمبر بأنها في حاجة إلى زيادة الإنفاق العام لتحقيق هدف النمو . فمنذ ذلك الحين، لم يحدث سوى الإعلان عن برنامج مبادلة ديون محلية بقيمة 10 تريليونات يوان (1.4 تريليون دولار).
تستطيع الحكومات المحلية بذلك توفير بعض الأموال من مدفوعات الفائدة، مما يسمح لها بتسوية الفواتير المتأخرة للموردين والرواتب غير المدفوعة للموظفين المدنيين. لكن هذه المبادرة لا تمنحها قروضاً جديدة وبالتالي لا ينبغي اعتبارها تحفيزاً مالياً.
واقع الأمر أن الاقتصاديين تراجعوا عن توقعاتهم بشأن تحفيز الاقتصاد الصيني. وبالنسبة للعام المقبل، يتوقع بنك “غولدمان ساكس” ارتفاع إجمالي العجز المالي في الصين، شاملاً قروض الأقاليم خارج الميزانية، بمقدار 1.8 نقطة مئوية فقط إلى 13% من الناتج المحلي الإجمالي، ويرجح أن يستمر انخفاض صافي إصدارات الأذرع التمويلية للحكومات المحلية من السندات وسط جهود بكين للسيطرة على الديون الخفية للأقاليم.
سوء الإدارة المالية
غير أن الاهتمام والتركيز على تخفيف المديونية الآن نوع من سوء الإدارة المالية. ففي أوقات الركود، تلجأ الأسر إلى ادخار أموالها لمواجهة الأيام العصيبة، مما يعني أن القطاع العام ينبغي أن ينفق أكثر حتى يجنب الاقتصاد السقوط في دوامة الانكماش. بينما تفعل الصين عكس ذلك تماماً.
وضعت الحكومة المركزية حدوداً للإنفاق على البنية التحتية في 12 مقاطعة تعتبرها عالية المخاطر ومعرضة للتعثر في سداد ديونها، كوسيلة سريعة وسهلة لإبطاء زيادة الديون. إلا أن هذا الإجراء وحده كفيل بأن يدفع منطقة بأسرها في ركود عميق بينما لا يزال المسؤولون المحليون يبحثون عن طرق لتنويع الاقتصاد.
في مقاطعة يونان الجنوبية الغربية، ساهم الاستثمار في البنية التحتية في عام 2023 في نمو الناتج المحلي الإجمالي بأكثر من 30%، لكن هذا الاستثمار تراجع، وفقا لتقديرات مؤسسة “موديز إنفستورز سيرفيس”، بنسبة 11.4% العام الماضي و9% في النصف الأول منه.
لم تجد يونان محركاً آخر للنمو الاقتصادي، فهي جديدة في مجال التصنيع مرتفع التقنية، الذي تحرص بكين إلى نشره وتبدي استعداداً لتمويله. ونتيجة لذلك، لم تحقق نمواً إلا بنسبة 3.5% في النصف الأول من العام الحالي، وهو أقل بكثير من المتوسط الوطني. فالتدابير التقشفية للحكومة المركزية تأتي بنتائج عكسية ولا ينجم عنها غير تدهور قدرة المقاطعة على خدمة الديون.
الانكماش وفرص استغلال الأصول
كذلك من السخف أن نقرر ما إذا كانت البلاد على مشارف أزمة ديون أم لا استناداً إلى مجرد مقاييس محاسبية بسيطة مثل نسب الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي، والتي تعكس ما حدث في الماضي. بدلاً من ذلك، ينبغي على بكين التفكير في ما يجب أن تفعله بجانب الأصول في ميزانيتها المستقبلية.
على عكس الدول الغربية التي اقترضت لتمويل النفقات الحكومية الجارية –راجع نظام المعاشات اليونانية في العقد الأول من الألفية– كان لدى الحكومة الصينية حسابات مختلفة. فقد اقترضت من أجل بناء البنية التحتية وتنمية الشركات الكبرى. ونتيجة لذلك، تمتلك بكين أصولاً كثيرة، منها الطرق والمستشفيات والبنوك. وربما يبلغ صافي حقوق الملكية دفترياً حوالي 170 تريليون يوان، أو ما يعادل 140% من الناتج المحلي الإجمالي، وفقاً لشركة “غافكال دراغونوميكس” (Gavekal Dragonomics). الآن، يثار الجدل حول إمكانية تحقق القيمة الدفترية لهذه الأصول، لكن البيئة الانكماشية بالتأكيد ليست ملائمة لبيع الأصول.
هذه المرة، تتماشى مصالح المؤسسات الخاصة مع مصالح الدولة. فانكماش الأسعار صعب على الشركات وعلى المدينين. إذ يجعل من خدمة الديون أو التخلص من الأصول عملية صعبة. فعلى الرغم من تراجع الإيرادات الضريبية، تلتزم الحكومات المحلية بسداد نفس القيمة الاسمية للديون. فلماذا لا تزال بكين تتردد في صرف حزمة التحفيز؟