استدعى مسؤولون صينيون رؤساء كبرى شركات تصنيع السيارات الكهربائية، من بينها شركة “بي واي دي” (BYD)، إلى العاصمة بكين في وقت سابق من هذا الأسبوع، لمناقشة المخاوف بشأن حرب الأسعار المستمرة منذ فترة طويلة، وذلك وفقاً لأشخاص مطلعين على الأمر.
استضافت وزارة الصناعة وتكنولوجيا المعلومات، وهي الجهة المنظمة للسوق والهيئة العليا للتخطيط الاقتصادي، الاجتماع، بحسب الأشخاص الذين طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم نظراً لمناقشة معلومات خاصة. وأضافوا أن الاجتماع حضره كبار التنفيذيين في أكثر من اثنتي عشرة شركة تصنيع، من بينها مجموعة “تشجيانغ جيلي هودينغ” (Zhejiang Geely Holding Group) و”شاومي” (Xiaomi).
دعوة إلى الانضباط الذاتي
أبلغ المسؤولون شركات السيارات الكهربائية بضرورة “تنظيم نفسها ذاتياً”، مؤكدين أنه لا ينبغي لها بيع السيارات بأسعار تقل عن تكلفتها أو تقديم تخفيضات غير معقولة. كما تطرقوا إلى قضايا أخرى مثل ظاهرة السيارات “صفرية الأميال”، (يطلق عليها أيضاً صفرية العداد وهي سيارات تم تسجيلها وحصلت على لوحات مرورية — ما يعني أنها بيعت رسمياً — لكنها لم تتحرك متراً على الطريق، ويتم عرضها لاحقاً في سوق السيارات المستعملة)، والفواتير المتراكمة للموردين، والتي تضغط على التدفقات النقدية ضمن سلسلة التوريد، وتُستخدم فعلياً كنوع من التمويل شبه الديني لشركات صناعة السيارات، بحسب ما أفاد به الأشخاص المطلعون.
من النادر أن تعقد الجهات التنظيمية للسوق والصناعة والاقتصاد في الصين اجتماعاً مشتركاً مع قطاع السيارات لمناقشة مسائل تشغيلية مثل التسعير. وتعكس هذه الخطوة حجم الرقابة التي تفرضها القيادة العليا في البلاد على القطاع، في ظل تنامي المخاوف من أن حرب الأسعار باتت غير مستدامة، وقد تؤدي إلى إفلاس الشركات الأضعف.
ومع ذلك، لم يسفر الاجتماع عن إصدار توجيهات إلزامية، ولم يتضح بعد ما هي العواقب التي قد تواجهها الشركات المصنعة في حال تجاهلت التحذيرات الشفهية، بحسب الأشخاص.
مواقف الشركات الرسمية
لم ترد شركتا “بي واي دي” و”شاومي” على طلبات التعليق. فيما أشار ممثل شركة “جيلي” إلى خطاب حديث ألقاه رئيس مجلس الإدارة لي شوفو، قال فيه إن الشركة ترفض تماماً الدخول في حروب أسعار، وتُفضل المنافسة من خلال التكنولوجيا وقيمها المؤسسية.
من جانبها، لم ترد وزارة الصناعة وتكنولوجيا المعلومات والهيئة الوطنية لتنظيم السوق واللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح على الأسئلة التي أُرسلت إليهم عبر الفاكس. بينما قالت وزارة التجارة، خلال إفادة صحفية دورية عُقدت يوم الخميس، إنها ستعمل مع جهات أخرى لتعزيز التوجيهات الخاصة بصناعة السيارات، وضمان المنافسة العادلة، ودفع عجلة التنمية الصحية للقطاع.
تراجعت أسهم شركات صناعة السيارات الصينية بشكل جماعي يوم الجمعة، حيث انخفضت أسهم “بي واي دي” بنسبة 2.7%، وتراجعت أسهم “شاومي” بنسبة 2.4%، فيما هبطت أسهم شركة “جيلي أوتوموبيل هولدينغز” (Geely Automobile Holdings) المدرجة في هونغ كونغ بنسبة 1.7%.
جولة جديدة من حرب الأسعار
جاءت هذه التحذيرات بعد أن أطلقت “بي واي دي” الجولة الأحدث من حرب الأسعار أواخر الشهر الماضي، حيث قدمت خصومات وصلت إلى 34%، ما أثار انتقادات هيئات صناعية ووسائل الإعلام.
دون تسمية “بي واي دي” بشكل مباشر، أصدرت رابطة مصنعي السيارات في الصين بياناً قالت فيه إن خطوة إحدى الشركات قد أشعلت جولة جديدة من “ذعر حرب الأسعار”، مما دفع القطاع إلى الدخول في “حلقة مفرغة” وهدد أمن سلاسل التوريد. وأضافت الرابطة: “حروب الأسعار الفوضوية تفاقم المنافسة الشرسة، مما يزيد من ضغط هوامش ربح الشركات”.
نشرت وسائل الإعلام الخاضعة مباشرة لقيادة الحزب الشيوعي، بما في ذلك وكالة أنباء “شينخوا” وصحيفة الشعب اليومية والتلفزيون المركزي الصيني، تقارير خلال الأيام الماضية دعت فيها مصنعي السيارات إلى التوقف عن تقديم خصومات وإعادة تنظيم القطاع. وحذرت صحيفة الشعب من أن استمرار هذه الممارسات قد يؤدي إلى إنتاج سيارات منخفضة السعر والجودة، الأمر الذي من شأنه الإضرار بسمعة الصين الدولية وصورة شعار “صُنع في الصين”.
مصنعو السيارات يتحايلون على الوضع
يُعد اجتماع هذا الأسبوع المرة الثانية خلال أيام يتم فيها توجيه انتقادات إلى قادة القطاع بسبب ظاهرة السيارات “صفرية الأميال”.
تظهر هذه السيارات الجديدة عملياً في سوق إعادة البيع دون أن تكون قد قطعت أي أميال، في حين تقوم الشركات المصنعة بتسجيلها كمبيعات رغم أنها لم تصل بعد إلى المستهلك النهائي. وكانت وزارة التجارة قد عقدت اجتماعاً الأسبوع الماضي مع اثنين على الأقل من كبار شركات صناعة السيارات ومنصات بيع السيارات المستعملة عبر الإنترنت لمناقشة هذه القضية.
تسعى شركات تصنيع السيارات إلى تمرير التأثير السلبي لحرب الأسعار إلى الموردين، من خلال المطالبة بخفض أسعار قطع الغيار وتأجيل سداد الفواتير لأشهر. وأثار طلب شركة “بي واي دي” خفض الأسعار من أحد مورديها أواخر العام الماضي تغطية إعلامية واسعة، وطرح تساؤلات حول ما إذا كانت عملاقة السيارات الكهربائية تستخدم تمويل سلسلة التوريد لإخفاء ديونها المتضخمة.
وبحسب تقرير صادر عن شركة الاستشارات المحاسبية “جي إم تي ريسيرش” (GMT Research)، فإن صافي الدين الحقيقي لشركة “بي واي دي” يقترب من 323 مليار يوان (45 مليار دولار)، مقارنة بـ27.7 مليار يوان المُعلن عنها رسمياً في دفاترها حتى نهاية يونيو 2024، وذلك من خلال تأجيل مدفوعاتها للموردين والاعتماد على تمويلات مرتبطة بسلاسل التوريد.