في أقل من عقد اتجهت معالم خارطة السياحة والثقافة العالمية للتبدل بفضل تغيرات الاقتصاد السعودي التي تحدث بإيقاع سريع. يستهدف وضع المملكة ضمن الوجهات السياحية الرائدة عالمياً، كأحد المستهدفات الرئيسية لرؤية 2030، فشهد قطاعا السياحة والترفيه تدفقات استثمارية ضخمة، ومشاريع كبرى، وتنوعاً في البرامج الترفيهية، ما انعكس إيجاباً بزيادة أعداد السائحين وارتفاع مساهمة القطاع في الناتج الإجمالي وفي خلق فرص عمل.
قفزت قيمة الاستثمارات السياحية من 1.18 مليار ريال في 2021 إلى 14.8 مليار ريال في 2024، بحسب التقرير السنوي لرؤية السعودية 2030 لعام 2024. ضُخت هذه الأموال في مشاريع ضخمة شملت تطوير وجهات سياحية جديدة مثل نيوم والبحر الأحمر والقدية والدرعية والعلا، إضافة إلى استضافة فعاليات رياضية كبرى وأحداث ترفيهية.
مستهدف الغرف الفندقية
ووفق تقرير الرؤية، تستهدف السعودية الوصول إلى 675 ألف غرفة فندقية بحلول 2030، منها 120 ألف غرفة في الرياض. وفي أواخر العام الماضي، أعلن “صندوق الاستثمارات العامة” السعودي تأسيس شركة لإدارة وتشغيل الفنادق باسم “أديرا”، وقال إنها ستطلق علامات فندقية، وتستهدف تطوير وريادة قطاع الضيافة في المملكة.
تستهدف المملكة زيادة مساهمة القطاع السياحي في الناتج المحلي الإجمالي من 3% في 2019 إلى 10% عام 2030، عبر استثمار حوالي 500 مليار دولار خلال 15 عاماً.
تراب سليم، الشريك ورئيس استشارات الضيافة والسياحة والترفيه في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في “نايت فرانك”، قال في مقابلة مع “الشرق” إن التقدم المحرز في القطاع منذ إطلاق الرؤية يُعد إنجازاً كبيراً، مشيراً أن هذه الإنجازات بدأت تعطي النتائج المرجوة، سواءً من ناحية نمو أعداد السائحين أو استحداث الوظائف أو ارتفاع مساهمة القطاع في الناتج الإجمالي المحلي للمملكة.
خلال العام الماضي، زار البلاد أكثر من 29.7 مليون سائح دولي ما جعل المملكة تحتل المرتبة الثانية عالمياً في نمو أعداد السياح. ورفعت الحكومة السعودية مستهدفها من 100 مليون سائح سنوياً بحلول 2030 (بما فيها السياحة الداخلية) إلى 150 مليوناً، بعد أن حققت بالفعل الرقم المستهدف قبل الموعد المحدد بست سنوات.
العلا وجهة جاذبة
العلا، أحد الوجهات السياحية التي تم فتحها مؤخراً أمام الوفود السياحية، استقبلت 286 ألف زائر العام الماضي موزعين بين سعوديين وخليجيين ودوليين، حسبما صرح رامي المعلم، نائب الرئيس لقطاع إدارة الوجهات السياحية والتسويق بالهيئة الملكية لمحافظة العلا، في مقابلة مع “الشرق”.
حسب مزمل حسين، الرئيس التنفيذي لشركة المسافر للسياحة والسفر السعودية، خلال حديث مع “الشرق” فإنه رغم أن السياحة الدينية ووجهات مكة والمدينة تستحوذ على حصة كبيرة من نشاط السياحة في السعودية، إلا أن وجهات جديدة مثل البحر الأحمر والعلا تشهد إقبالاً متزايداً.
وأضاف أن الرحلات البحرية بدأت تشهد أيضاً اهتماماً في السعودية، سواءً الرحلات المحلية أو الإقليمية، عبر مدن مثل جدة – العقبة – شرم الشيخ، أو رحلات في البحر المتوسط، وتوقع استمرار الطلب على هذا النوع من الرحلات.
تكامل سياحي إقليمي
أوضح سليم أن ما يتم عمله بجميع جوانب القطاع بالتوازي هو الضامن لاستمرار نمو مستدام وتحقيق مستهدفات الرؤية لهذه الصناعة. فتسهيل دخول السائحين، وتطوير المطارات وشركات الطيران لربط السعودية بالعالم، وربط الوجهات الداخلية بوسائل النقل المختلفة، ورفع القدرة الاستيعابية للغرف الفندقية، وتنظيم الفعاليات العالمية الكبرى كلها كفيلة بإحداث أثر كبير بالقطاع.
اتخذت المملكة عدة إجراءات لتسهيل قدوم السياح عبر إصلاح البيئة التنظيمية والتشريعية واعتماد نظام السياحة الجديد الذي يعتمد على التأشيرة الإلكترونية.
وفي ملف الحفاظ على الآثار، وصلت المملكة إلى هدفها قبل الموعد المقرر بإدراج ثمانية مواقع على قائمة اليونسكو للتراث العالمي، وهو الرقم المستهدف ضمن “رؤية 2030”.
انعكست كل هذه المجهودات على قطاع التوظيف، إذ سجل عدد الموظفين المباشرين في قطاع السياحة نمواً إلى 966.5 ألف موظف بنهاية العام الماضي، مقابل 683 ألف موظف في 2020، يشكّل السعوديون ربع عدد العاملين فيما استحوذت النساء على نسبة 13% من إجمالي القوى العاملة فيه. وحددت الرؤية مستهدف 1.6 مليون وظيفة يخلقها القطاع بحلول نهاية العقد.
يرى سليم أن تطور نشاط السياحة في المملكة يساعد على خلق تكامل سياحي في المنطقة، إذا تحقق سيحول المنطقة إلى مركز سياحي عالمي. وأضاف أن جذب السعودية للسائحين لن يؤثر على وجهات أخرى في الدول المجاورة، موضحاً أن لكل وجهة خصائصها وطبيعتها وثقافتها، وهذا ينطبق أيضاً حتى على الوجهات السياحية داخل المملكة.