الاستثمار فى البورصة وصناديق الاستثمار

الأسواق تتأرجح بعنف؟ لا خيار سوى الصمود

أبريل 8, 2025 | by elaal4000@gmail.com

الأسواق تتأرجح بعنف؟ لا خيار سوى الصمود

أحدث إعلان “يوم التحرير” المفاجئ من الرئيس دونالد ترمب عن فرض رسوم جمركية صدمة في الأسواق، وأدى إلى واحدة من أسوأ موجات الهبوط التي شهدتها البورصات الأمريكية خلال يومين على الإطلاق. وبصرف النظر عن موقفك من سياسات ترمب التجارية، فإن هذه الخطوة تشكل مقامرة ضخمة، ولا أحد يعلم كيف ستتطور الأمور. ما نعلمه على وجه اليقين هو أن حالة عدم اليقين تزيد من تقلبات السوق.

فقد تهاوى مؤشر “ستاندرد آند بورز 500” بنسبة 10.5% يومي الخميس والجمعة الماضيين، في هبوط نادر لم يشهد له مثيل خلال قرن تقريباً، باستثناء فترات استثنائية مثل الكساد الكبير، وانهيار 1987، والأزمة المالية العالمية عام 2008. ومن الطبيعي أن أتلقى العديد من المكالمات والرسائل من أصدقاء ومستثمرين قلقين يتساءلون إن كنا نواجه أزمة جديدة. وكانت إجابتي لا؛ على الأقل حتى الآن.

ما يجعل هذا الهبوط صادماً هو سرعته، لكن السرعة لا تعني بالضرورة الحدة. فمؤشر “ستاندرد آند بورز 500” انخفض بنسبة 17% من ذروته في 19 فبراير وحتى يوم الجمعة، وهو أقل من التراجع البالغ 20% الذي يُعد بداية السوق الهابطة. بل إن الرقم الرئيسي يُبالغ في تقدير التأثير الحقيقي، حيث تعود نسبة كبيرة من الهبوط إلى شركات التكنولوجيا العملاقة التي تهيمن على المؤشر. أما مؤشر “ستاندرد آند بورز 500” للوزن المتساوي فقد تراجع بنسبة أكثر اعتدالاً بلغت 14% خلال الفترة ذاتها.

أسواق الائتمان.. أين إشارات الإنذار؟

مؤشرات السوق الأخرى لا تظهر الكثير من القلق حتى الآن، إن وُجد أصلاً. من أبرز هذه المؤشرات فروق العائد (Credit Spreads) -أي الفارق بين عائدات السندات الشركاتية وسندات الخزينة- والتي ترتفع بشكل ملحوظ في أوقات الأزمات. فعلى سبيل المثال، ارتفعت هذه الفروق إلى نحو 8 نقاط مئوية خلال الأزمة المالية، ما كان يشير إلى صعوبة متزايدة تواجهها الشركات في سداد ديونها. أما اليوم، ففروق العائد للشركات ذات التصنيف الائتماني العالي بالكاد تجاوزت نقطة مئوية واحدة. حتى الشركات المتعثرة، وعلى الرغم من ارتفاع فروقها الأسبوع الماضي، ما زالت قريبة من مستوياتها التاريخية المنخفضة.

لا شيء من ذلك يوحي بأننا في أزمة، لكن هناك مؤشرات على تباطؤ اقتصادي. فقد انخفض عائد سندات الخزانة لأجل 10 سنوات بشكل حاد منذ بداية العام، وكذلك عائد السندات لأجل سنتين، ما يشير إلى أن مجلس الاحتياطي الفيدرالي سيقوم بخفض أسعار الفائدة قصيرة الأجل بنحو 0.5 إلى 0.75 نقطة مئوية خلال هذا العام. وقد تسارعت هذه التحركات في سوق السندات بعد إعلان البيت الأبيض عن الرسوم الأسبوع الماضي. ويتفق ذلك مع تقدير بنك الاحتياطي الفيدرالي في أتلانتا بأن الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي انكمش بمعدل سنوي قدره 2.8% خلال الربع الأول.

الأسواق تسبق الركود؟

السؤال الذي ينبغي على المستثمرين طرحه الآن هو: ماذا لو دخل الاقتصاد في حالة ركود؟ للإجابة، نظرت في أداء مؤشر “ستاندرد آند بورز 500” خلال كل واحدة من حالات الركود العشر الماضية، منذ منتصف خمسينيات القرن الماضي. وبشكل خاص، حسبت مقدار التراجع من الذروة إلى القاع لكل حالة ركود باستخدام أسعار نهاية الشهر.

أول ما لفت انتباهي هو أن السوق غالباً ما تهبط قبل بدء الركودات. وربما هذا ما يحدث الآن، مدفوعاً بتحذيرات عدد من الاقتصاديين البارزين بشأن تأثير الرسوم المقترحة. كما وجدت نوعاً من الطمأنينة في حدة الانخفاضات السابقة. فقد بلغ متوسط التراجع خلال الحالات العشر التي درستها 17%؛ أي ما يعادل تماماً التراجع الذي نشهده حالياً. وبذلك، ليس مستبعداً أن يكون أسوأ ما في الهبوط قد مضى بالفعل.

الهبوط الحالي لا يُشبه أكثر الفترات رعباً

ما يُطمئن أيضاً أن أكثر ثلاث حالات ذُعراً في البيانات يمكن تمييزها بسهولة عن الوضع الحالي. اثنتان منها أعقبت فقاعة أسهم تاريخية: “هوس النيفي فيفتي” في أوائل السبعينيات (-42%) و”فقاعة الدوت كوم” أواخر التسعينيات (-35%). لم تكن السوق رخيصة قبل الهبوط الحالي، لكنها لم تكن فقاعة أيضاً. أما الحالة الثالثة -والأعمق- فكانت نتيجة الأزمة المالية العالمية (-48%). وهذا ليس ذلك.

يشبه التراجع الحالي تراجعات الأسواق السابقة المرتبطة بالركود في كونه يبدو مدفوعاً بالمشاعر أكثر من الأساسيات. فسرعة البيع تُشير إلى أن المستثمرين لا ينتظرون ليروا كيف ستتعامل الشركات مع التباطؤ الاقتصادي الظاهر؛ أو مع الرسوم الجمركية. وتشير البيانات إلى أن بيع المستثمرين قبل طرح الأسئلة ليس أمراً غير مألوف. فقد انخفضت تقييمات مؤشر “ستاندرد آند بورز 500″، كما يُقاس بمضاعف الربحية على أساس الأرباح المتأخرة 12 شهراً، في كل واحدة من حالات الهبوط العشر التي درستها. بالمقابل، انخفضت الأرباح في ست حالات فقط. وكان الجزء الأكبر من التراجع يُعزى إلى انخفاض التقييمات: إذ بلغ متوسط انكماش التقييمات 18%، في حين كان متوسط انخفاض الأرباح المتأخرة 2% فقط.

وبالنسبة لي، كل هذا (حقيقة أن البيع حتى الآن يبدو مدفوعاً بالعاطفة أكثر من التحليل، وأن السوق هبطت بالفعل نسبة كبيرة من المتوقع في حال الركود) يشكل سبباً وجيهاً لعدم الانضمام إلى موجة البيع.

تذكير مهم: السوق ليس الاقتصاد

وهنا سبب إضافي: تراجع السوق لا يعني بالضرورة أن الركود قادم. فقد قال الاقتصادي بول صامويلسون مازحاً ذات مرة: “لقد تنبأت سوق الأسهم بتسعة من أصل خمسة ركودات!” والواقع أن هناك 37 سوقاً هابطة أو تصحيحاً منذ منتصف الخمسينيات، وهو عدد أكبر بكثير من حالات الركود العشر خلال الفترة ذاتها.

وهذا تذكير بأن السوق لا تُمثّل الاقتصاد دائماً؛ ففي بعض الأحيان تهبط الأسهم لأسباب تخصها وحدها. بل إن بعض تحركات السوق استباقاً للركود، مثل انخفاض أسعار الفائدة أو الطاقة، قد تعزز الاقتصاد المتباطئ وتساعده على تجنّب الركود. وبالطبع، أحياناً تكون السوق ببساطة على خطأ. فـ”حكمة السوق الجماعية” هي أفضل أداة لدينا، لكنها ليست معصومة.

كل ذلك لا يعني أن أزمة بسبب الرسوم الجمركية مستبعدة بالكامل. فالسوق تتحرك بسرعة، وقد يتغير المشهد بشكل كبير خلال أيام قليلة. إذا تسارعت وتيرة الهبوط، وانخفضت مضاعفات الربحية إلى مستويات منخفضة جداً، وارتفعت فروق العائد، وانهارت عائدات سندات الخزانة، فهذه ستكون مؤشرات على أزمة أعمق — وفرصة شراء تاريخية في الوقت ذاته.

لكننا لا نزال بعيدين عن ذلك. وللآن، يبدو أن أفضل خطوة هي ببساطة التريث.

#الأسواق #تتأرجح #بعنف #لا #خيار #سوى #الصمود
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
📡 المصدر : #الشرق
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖

RELATED POSTS

View all

view all