رغم إعلان إدارة الرئيس دونالد ترمب عن اتفاق مؤقت مع الصين بشأن الرسوم الجمركية، يرى خبراء الاقتصاد أن هذه الهدنة لم تأتِ بالسرعة الكافية لتجنب تباطؤ الاقتصاد الأميركي، حتى وإن كانت قد تقلل من احتمالية الدخول في ركود اقتصادي لاحقاً هذا العام.
ويُتوقع أن تبدأ بيانات سوق العمل في إظهار أثر هذه التوترات التجارية على التوظيف بنهاية مايو، في حين من المرجّح أن تظهر تسارعات في معدلات التضخم في التقارير التي ستصدر الشهر المقبل.
بحسب التوقعات، فإن الاقتصاد الأميركي سيسجّل هذا العام نمواً أقل بكثير مقارنة بعام 2024، وذلك رغم الاتفاق المعلن يوم الإثنين، إذ أن الرسوم الجمركية المفروضة حالياً على الواردات الصينية بنسبة 30% تظل أقل من المستوى البالغ 145% الذي فُرض الشهر الماضي، لكنها لا تزال تمثل ارتفاعاً حاداً مقارنة بفترة ما قبل تولي ترمب الرئاسة.
وقال غريغوري داكو، كبير الخبراء الاقتصاديين في شركة “إي واي”: “الهدنة المؤقتة بين أميركا والصين تُعد تهدئة مهمة، لكنها غير كافية لتجنب التباطؤ. الطلب المسبق المرتفع، وضغوط الأسعار المتصاعدة، والضبابية السياسية، كلها عوامل ستؤثر سلباً في التوظيف والإنفاق”.
تفاعل الأسواق
وكانت الأسواق تفاعلت بإيجابية مع إعلان الإثنين، حيث ارتفع مؤشر “ستاندرد أند بورز 500” إلى أعلى مستوى له منذ أكثر من شهرين، مدعوماً أيضاً ببعض مؤشرات النشاط الاقتصادي التي لم تظهر حتى الآن إشارات واضحة على التراجع، رغم تحذيرات المحللين من اقتراب الضرر.
على سبيل المثال، قفزت مبيعات التجزئة في مارس بأعلى وتيرة لها منذ عامين، إذ سارع المستهلكون إلى الشراء قبل ارتفاع الأسعار. وفي سوق العمل، أظهر تقرير الوظائف الصادر في 2 مايو أن قطاعات النقل والتخزين واصلت التوظيف خلال الأسابيع الأولى من أبريل لمواكبة الطلب المتزايد.
ويظل السؤال الأهم الآن: هل ستستغل الأسر والشركات فترة الهدنة البالغة 90 يوماً لتكثيف مشترياتها؟.
مارك زاندي، كبير الاقتصاديين في “موديز أناليتيكس”، لا يعتقد ذلك. ويتوقع أن تبدأ طلبات إعانات البطالة في الارتفاع مع اقتراب عطلة “يوم الذكرى” في 26 مايو، ما يمهد الطريق لتباطؤ في التوظيف سيظهر جلياً في تقرير وظائف يونيو.
وقال زاندي: “توقعاتي لم تتغير. كنت أتوقع أن تتوصل الإدارة إلى اتفاق قريب مع الصين ودول أخرى لتهدئة الحرب التجارية. لكن الحرب لا تزال مستمرة. أعتقد أن موجة الشراء المسبق التي شهدناها ستبدأ بالتراجع هذا الشهر وتمتد إلى يونيو ويوليو”.
تراجع حاد للواردات
أدت الرسوم التي فرضها ترمب في أبريل بنسبة 145% إلى تراجع حاد في حركة الشحن البحري من الصين إلى الولايات المتحدة – وهي رحلة تستغرق عادة نحو 22 يوماً. وبحسب جين سيروكا، المدير التنفيذي لميناء لوس أنجلوس، فإن حجم الواردات قد ينخفض بنحو 25% هذا الشهر مقارنة بالعام الماضي، وهو لا يتوقع موجة جديدة من الشراء المسبق.
لكن آخرين مثل خبراء الاقتصاد في “كوميريكا بنك” و”أوكسفورد إيكونوميكس” توقعوا العكس، حيث قال بيل آدامز، كبير الاقتصاديين في “كوميريكا”، إن المستوردين الأميركيين ربما يزيدون مشترياتهم مؤقتاً تحسباً لأي ارتفاع جديد في الرسوم.
ونظراً للمدة التي تستغرقها السلع لعبور المحيط من شنغهاي إلى كاليفورنيا، فإن تأثير الرسوم لم يظهر بعد بشكل كامل. ومن المتوقع أن تُظهر بيانات التضخم لشهر أبريل، التي ستصدر الثلاثاء، معدلات معتدلة، لكن الخبراء يرون أن الزيادات الأكبر في الأسعار ستظهر بشكل أوضح في تقرير مايو المقرر صدوره منتصف يونيو.
تأثير التضخم
كتب خبراء “بلومبرغ إيكونوميكس” في مذكرة بحثية: “قد يبدو أن خفض الرسوم على الصين سيساهم في خفض التضخم، لكن الواقع أكثر تعقيداً. إذ قد يؤدي تسارع عمليات إعادة التزويد إلى ازدحام في الموانئ، وفي حال كانت السلع قليلة وليست مفقودة كلياً، فقد يؤدي ذلك إلى تسارع في ارتفاع الأسعار”.
واتفق معظم المحللين على أن إعلان الإثنين يُحسن من آفاق الاقتصاد الأميركي، وإنْ ظل النمو متواضعاً. وقال اقتصاديون في “يو بي إس” إن الاتفاق قد يُضيف 0.4% إلى توقعاتهم بنمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.5% في 2025، مقارنة بنمو 2.5% في 2024.
وبالمثل، رفع بنك “غولدمان ساكس” توقعاته للنمو من 0.5% إلى 1%، وخفّض احتمال حدوث ركود خلال الـ12 شهراً المقبلة إلى 35% بدلاً من 45%.
وقال مايڤا كوزان، وإليونورا مافرويدي، وتشانغ شو الخبراء في “بلومبرغ إيكونوميكس”: “بالنسبة لأميركا، فإن تخفيض الرسوم يقلل من خطر الركود التضخمي إلى النصف. هذا سيخفف من الضغوط على المصانع الصينية والمستوردين الأميركيين، وقد يساهم في إنعاش الاقتصاد الصيني بشكل ملموس. ومع ذلك، فإن المستوى الجديد للرسوم لا يزال من شأنه أن يؤدي إلى انخفاض بنحو 70% في حجم التجارة الثنائية بين البلدين على المدى المتوسط”.
تأثيرات اقتصادية كبيرة
من جهتها، أكدت مسؤولة الاحتياطي الفيدرالي، أدريانا كوجلر، في كلمة ألقتها بدبلن، أن “الرسوم لا تزال مرتفعة ومن المرجّح أن تُحدث تأثيرات اقتصادية كبيرة حتى وإن استقرت عند المستويات المعلنة”. وأدلى أوستن جولزبي، رئيس الاحتياطي الفيدرالي في شيكاغو، بتصريحات مماثلة في مقابلة مع “نيويورك تايمز”.
ويرى المحللون أن قرارات الفيدرالي المقبلة بشأن أسعار الفائدة ستعتمد على مدى سرعة تدهور بيانات سوق العمل مقارنة ببيانات التضخم، لكن من غير المرجّح أن تتوفر معطيات حاسمة قبل اجتماع البنك يومي 17 و18 يونيو. ودفعت هذه التطورات المستثمرين إلى تعديل توقعاتهم بشأن موعد خفض الفائدة المقبل إلى سبتمبر بدلاً من يوليو.
وقال تيم كوينلان، كبير الاقتصاديين في “ويلز فارغو”: “الجميع يحتفل وكأن الأزمة انتهت، لكنني أرى أن ما حدث ليس أكثر من خطوة تراجع عن حرب تجارية شاملة. وما زلنا في بداية الطريق لرؤية آثار هذا التراجع في البيانات الاقتصادية”.