بدأت الطفرة في مبيعات حقوق الحفر في قلب صناعة النفط بمقاطعة ألبرتا غرب كندا بالتلاشي، في ظل ما تشهده الأسواق من تداعيات لحرب التجارة التي أطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وارتفاع إنتاج تحالف “أوبك+”، وهو ما تسبب في تراجع أسعار النفط.
تشير بيانات المقاطعة الكندية إلى انخفاض متوسط السعر المدفوع لاستئجار أراض لتطوير الرمال النفطية إلى 771 دولار كندي للهكتار العام الحالي، أي بتراجع 18% مقارنة بمتوسط أسعار العام الماضي، والذي كان الأعلى منذ 2007. أما بالنسبة للأراضي الواقعة خارج مناطق الرمال النفطية، فقد انخفض السعر 25%.
الأراضي في كندا
يُعد تراجع أسعار الأراضي مؤشراً مبكراً على احتمال اقتراب نهاية طفرة الحفر التي شهدتها كندا بعد إنجاز مشروع توسعة خط أنابيب “ترانس ماونتن” العام الماضي، والذي أتاح للمنتجين قدرة إضافية تقارب 600 ألف برميل يومياً من سعة الشحن، ما حفز زيادة في الإنتاج وارتفاعاً في الطلب على مواقع حفر جديدة، فدفع بأسعار الأراضي إلى أعلى مستوياتها منذ عقود خلال 2024.
لكن الصدمتين المتزامنتين –الرسوم الجمركية العالمية التي فرضها ترمب، وزيادة إنتاج “أوبك+” بوتيرة أسرع من المتوقع- دفعتا بأسعار النفط إلى أدنى مستوياتها منذ 4 سنوات خلال الأسابيع الأخيرة، ما قوض رغبة الشركات في البحث عن مواقع إنتاج جديدة.
أوضح تريفور ريكس، رئيس فريق أبحاث النفط والغاز الكندي في شركة “إنفيروس” (Enverus): “كندا ليست بمنأى عن آلام أسعار النفط العالمية”.
كما تعكس حالة التباطؤ في صناعة النفط الكندية ما يجري في الولايات المتحدة الأميركية، إذ تعيد الشركات ترتيب أولوياتها، ويقول بعض التنفيذيين إن إنتاج النفط الصخري ربما يكون قد بلغ ذروته.
زيادة إنتاج النفط في كندا
رغم ذلك، من المتوقع أن يواصل المنتجون في كندا زيادة إنتاجهم خلال السنوات المقبلة. بالنسبة لمنتجي مناطق الرمال النفطية، فإن انخفاض الأسعار يمكن تعويضه بزيادة حجم الإنتاج، كما أن إنشاء محطة جديدة للغاز الطبيعي المسال في مقاطعة كولومبيا البريطانية سيشجع على الحفر في المناطق الغنية بالنفط في غرب كندا، وفق ما قاله كيفن بيرن، كبير المحللين في شؤون أسواق النفط الكندية لدى “ستاندرد أند بورز غلوبال” (S&P Global).
وأشار بيرن إلى أن مشروع “ترانس ماونتن” لم يبلغ بعد طاقته القصوى، وأن الشركة المالكة له بدأت بالفعل في النظر في خطط لتوسعة إضافية. كما تعمل شركة “إنبريدج” على زيادة الطاقة الاستيعابية لخط الأنابيب الرئيسي التابع لها بمقدار 150 ألف برميل يومياً خلال السنوات المقبلة.
يُتوقع أن يرتفع إنتاج الرمال النفطية بمقدار 500 ألف برميل يومياً ليصل إلى 3.8 مليون برميل يومياً بحلول 2030، بحسب تقديرات “ستاندرد أند بورز غلوبال كوموديتي إنسايتس” (S&P Global Commodity Insights). ومن المرجح أن يتجه جزء كبير من هذا الإنتاج الإضافي عبر “ترانس ماونتن” إلى أسواق حوض المحيط الهادئ، تزامناً مع نمو محتمل في حجم صادرات الغاز الطبيعي، إذ يُتوقع أن يبدأ تشغيل أول محطة كندية رئيسية للغاز الطبيعي المسال بوقت لاحق من العام الجاري.
أراضي رمال النفط
شهدت ألبرتا صفقة أراض ضخمة واحدة على الأقل خلال العام الجاري. في أوائل مارس، دفعت شركة “سينيرجي لاند سيرفيسز ” (Synergy Land Services) مبلغاً قدره 12016 دولار كندي للهكتار مقابل قطعة أرض في حقل “فورت كنت”، القريب من موقع الرمال النفطية التابع لشركة “كنيديان ناتشورال ريسورسيز “، والتي تعمل على توسيع عملياتها هناك. تُعد هذه الصفقة الأعلى سعراً لأرض مخصصة للرمال النفطية منذ 2007.
ومن أبرز المناطق التي تشهد طلباً مرتفعاً على أراضي الحفر، حقل غاز غني بالسوائل يُعرف باسم “إيلمورث”، ويقع جنوب مدينة غراندي براري. وتكمن أهمية هذا الحقل في إنتاجه من النفط الخفيف عالي القيمة، والذي يُستخدم في تخفيف لزوجة البيتيومين -نفط خام ثقيل من الرمال النفطية- لتسهيل ضخه عبر خطوط الأنابيب. بلغ متوسط السعر المدفوع لتأجير أراض في منطقة “إيلمورث” وما حولها العام الماضي 1734 دولار كندي للهكتار، وهو الأعلى منذ بدء تسجيل هذه البيانات خلال 2003.
يمكن العثور غاز “إيلمورث” ضمن تكوين منطقة مونتني، الذي يمتد عبر غرب ألبرتا وشرق مقاطعة كولومبيا البريطانية، ويضم نحو 449 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي، و14.5 مليار برميل من سوائل الغاز الطبيعي، و1.13 مليار برميل من النفط.
احتياطات نفطية ضخمة
قالت أماندا وو، محللة في شركة “وود ماكنزي”، خلال مقابلة: “تكوين مونتني يجعله بمثابة الشبيه الكندي لحوض برميان الأميركي الشهير”. وأضافت: “قد لا نرى أرقاماً هائلة في منطقة الجنوب تشبه حوض البرميان، لكن حجم الاحتياطات في مونتني ضخم للغاية”.
أشارت إلى أن “إيلمورث” أصبح أكثر جاذبية بعد أن تم استنفاد الحقول القريبة الأخرى الغنية بالسوائل، مثل حقل “كاكوا”.
في صفقة أُبرمت خلال سبتمبر الماضي، دفعت شركة “ميليينيوم لاند” (Millennium Land) -متخصصة في صفقات الأراضي تمثل جهات حفر غير معلنة- مبلغاً قدره 27556 دولار كندي للهكتار مقابل قطعة أرض في “إيلمورث”، وهو أعلى سعر يتم تسجيله في أي صفقة فردية منذ 2013.
صفقات شركات النفط
أظهرت بيانات هيئة تنظيم الطاقة في ألبرتا أن حقل “إيلمورث” أنتج أكثر من 14 ألف برميل يومياً من النفط خلال العام الماضي، منها ما يقارب 12 ألف برميل يومياً تعود إلى شركة “فيرن” (Veren)، التي اندمجت مؤخراً مع شركة “وايتكاب ريسورسيز” (Whitecap Resources). أما إنتاج الغاز، فبلغ نحو 106 آلاف برميل مكافئ من النفط يومياً، وكانت شركة “ستراتكونا ريسورسيز” (Strathcona Resources) أكبر منتج. أعلنت “ستراتكونا” بوقت سابق من الشهر الجاري عن صفقات لبيع أصولها في منطقة “مونتني” بهدف التركيز على النفط الثقيل. كما حفرت شركة “نوفيستا إنرجي” (NuVista Energy) آباراً في أراض تابعة لـ”إيلمورث”، كانت قد اشترتها شركة “ليكستيرا لاند” (Lexterra Land) في مايو الجاري.
وامتنعت شركتا “فيرن” و”ميليينيوم” عن التعليق، بينما لم ترد شركتا “نوفيستا” و”ليكستيرا” على طلبات للتعليق في هذا الشأن.