لا يعني إدراج دولة في “القائمة الرمادية” أنها متورطة مباشرة في الفساد المالي، بل يُعد إنذاراً دولياً بوجود ثغرات نظامية قد تُضعف الاقتصاد وتُهدد ثقة المستثمرين والأسواق، ما يضع الدولة تحت مجهر المراقبة، باعتبارها بيئة قد تُستغل في غسل الأموال أو تمويل الإرهاب، ما لم تسارع إلى تنفيذ إصلاحات قانونية ومؤسساتية صارمة.
وفي المنطقة العربية، دخلت عدة دول هذه القائمة البعض خرج منها بالفعل والآخرين ما يزالوا باقين بداخلها لأسباب تتراوح بين هشاشة التشريعات، وضعف الرقابة المصرفية، وغياب الاستقرار السياسي، ما يجعل الملف أكثر تعقيداً وتأثيراً على اقتصادات المنطقة، التي تعتمد بدرجة كبيرة على التدفقات المالية العابرة للحدود. في السطور التالية نلقي الضوء على ماهية هذه القائمة وأبرز الدول الموجودة فيها:
1) ما هي القائمة الرمادية؟ وما الجهة الدولية المسؤولة عن إصدارها؟
القائمة الرمادية هي مصطلح يُطلق على الدول التي تُدرجها مجموعة العمل المالي “فاتف” ضمن قائمة “الدول الخاضعة للمراقبة المعززة”. تضم القائمة الدول التي تعاني من “نواقص استراتيجية” في أنظمتها لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وانتشار أسلحة الدمار الشامل، لكنها أبدت التزاماً سياسياً عالي المستوى للعمل مع “فاتف” على تنفيذ خطة إصلاح واضحة ضمن جدول زمني محدد.
أما مجموعة العمل المالي “فاتف”، فهي هيئة حكومية دولية تأسست عام 1989 بمبادرة من مجموعة الدول الصناعية السبع، وتتخذ من باريس مقراً لها. وتُعنى بوضع المعايير وتعزيز تنفيذ التدابير القانونية والتنظيمية والعملية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وانتشار أسلحة الدمار الشامل على المستويين الوطني والدولي.
2) أي الدول العربية مدرجة حالياً في القائمة الرمادية؟
اعتباراً من أخر تحديث رسمي صادر عن مجموعة العمل المالي في فبراير 2025، تُدرج الدول التالية من المنطقة العربية ضمن “القائمة الرمادية”:
الجزائر
أُدرجت الجزائر في أكتوبر 2024 إثر تقييم مشترك مع مجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (MENAFATF)، بسبب ضعف الإشراف على المخاطر، وغياب إطار فعال لبيانات المستفيدين الحقيقيين، ونقص في تقارير المعاملات المشبوهة.
تعمل الجزائر على تنفيذ خطة عمل تشمل تعزيز الإشراف المالي، وتطوير نظام تقارير المعاملات المشبوهة، وتحديث الإطار القانوني للعقوبات المالية المستهدفة.
لبنان
أُضيف لبنان إلى القائمة في أكتوبر 2024 بسبب انهيار نظامه المصرفي، واعتماده المتزايد على المعاملات النقدية، ما يعكس ضعف الثقة في النظام المصرفي ويصعب مهمة تتبع التدفقات النقدية، بالإضافة إلى انعدام استقلالية القضاء، ومخاوف تمويل الإرهاب.
وتسعى السلطات اللبنانية لتنفيذ خطة إصلاح شاملة لتعزيز نظام مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
سوريا
أُدرجت سوريا في القائمة منذ فبراير 2010 بسبب ثغرات استراتيجية في مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، ورغم بعض التحسينات، لا تزال سوريا تتعاون مع مجموعة العمل المالي لمعالجة أوجه القصور.
اليمن
أُدرج اليمن في فبراير 2014 لعدم القدرة على تنفيذ الإصلاحات بسبب الوضع الأمني، رغم استكمال خطة العمل المتفق عليها، مع ذلك، يواصل اليمن جهوده لتعزيز نظام مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
3) ما الدول العربية التي خرجت من القائمة؟ وما التدابير التي اتبعتها؟
خرجت ثلاث دول عربية من “القائمة الرمادية” بعد تنفيذها إصلاحات شاملة في أنظمتها لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. هذه الدول هي: الإمارات، والمغرب، والأردن.
الإمارات
أُدرجت الإمارات في “القائمة الرمادية” في مارس 2022 بسبب “نواقص استراتيجية” في نظامها لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب مثل ضعف فهم المخاطر ومحدودية استخدام المعلومات المالية، وتحديات تنفيذ العقوبات.
ثم خرجت الإمارات من القائمة الرمادية في 23 فبراير 2024 بعد تنفيذ سلسلة من الإصلاحات المؤسسية والتشريعية، شملت إنشاء المكتب التنفيذي لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب لتعزيز التنسيق الوطني، وتأسيس محكمة متخصصة في الجرائم المالية، إلى جانب تحديث القوانين الجنائية وتشديد العقوبات ذات الصلة.
كما رفعت الدولة وتيرة التحقيقات والملاحقات القضائية، وفعّلت نظام الإبلاغ عن المعاملات المشبوهة. وقد أشادت”فاتف” بهذا التقدم، معتبرة أنه كافٍ لرفع اسم الإمارات من القائمة.
المغرب
أُدرج المغرب في “القائمة الرمادية” بسبب ضعف الإشراف القائم على المخاطر، وعدم كفاية دقة معلومات المستفيدين الحقيقيين من الكيانات القانونية، وقصور في تنوع تقارير المعاملات المشبوهة، وفعالية محدودة في التحقيقات والملاحقات القضائية.
شُطب المغرب من القائمة الرمادية في فبراير 2023 بعد تنفيذه سلسلة من الإصلاحات الجوهرية في إطار خطة العمل المتفق عليها مع مجموعة العمل المالي.
وشملت التدابير تعزيز الإطار القانوني والتنظيمي لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وتحسين فعالية التحقيقات والملاحقات القضائية، وتحديث نظام الإبلاغ عن المعاملات المشبوهة، إلى جانب تعزيز التعاون الدولي وتبادل المعلومات المالية.
الأردن
أدت ثغرات مثل ضعف الإشراف القائم على المخاطر، ونقص بيانات المستفيدين الحقيقيين، وقصور الملاحقات القضائية، وعدم فعالية نظام العقوبات المالية إلى إخضاع الأردن لمراقبة معززة من قبل “فاتف”.
وبعد أن تبنت الدولة إصلاحات شملت تحسين الشفافية في بيانات المستفيدين الحقيقيين، وتعزيز التحقيقات والملاحقات القضائية في قضايا غسل الأموال،وتشديد الرقابة على المنظمات غير الربحية، وتحسين نظام العقوبات المالية المستهدفة، أزيل الأردن من القائمة الرمادية في أكتوبر 2023.
4) الإدراج في القائمة.. عقوبة أم إجراء رقابي؟
الإدراج في القائمة الرمادية لا يُعد عقوبة بالمعنى القانوني، بل هو إجراء رقابي دولي يُشير إلى وجود نواقص استراتيجية في أنظمة الدولة لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. لكن رغم طبيعته الرقابية، فإن له تداعيات شبه عقابية، مثل تراجع ثقة المستثمرين، تشديد الرقابة البنكية الدولية، وارتفاع كلفة المعاملات المالية. الإدراج يُلزم الدولة بتنفيذ خطة عمل خلال فترة محددة تحت مراقبة “فاتف” ويُعد إنذاراً دولياً يتطلب إصلاحات عاجلة.
5) ما كلفة الإدراج في القائمة الرمادية؟
لا تفرض مجموعة العمل المالي عقوبات مباشرة على الدول المدرجة في قائمتها الرمادية، إلا أن هذا التصنيف يحمل تداعيات اقتصادية شبه عقابية. فهو يُضعف ثقة المستثمرين، ويدفع البنوك العالمية إلى تصنيف تلك الدول على أنها عالية المخاطر، ما يفرض إجراءات امتثال أكثر صرامة ويقلّص فرص الشراكات والتمويل.
كما قد يؤثر الإدراج سلباً على التصنيف الائتماني للدولة نتيجة ازدياد المخاطر التنظيمية، وهو ما يرفع من كلفة الاقتراض. وتجد الحكومات المدرجة صعوبة أكبر في الحصول على تمويل دولي، خصوصاً من مؤسسات تربط الدعم بمدى الالتزام بمعايير الشفافية المالية مثل صندوق النقد الدولي ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.